جاد حداد

Monica, O My Darling... محاولات لارتكاب جريمة قتل مثالية

14 تشرين الثاني 2022

02 : 01

فيلم Monica, O My Darling (مونيكا يا عزيزتي) مقتبس من كتاب Burutasu no Shinzou (قلب بروتوس) للروائي الياباني كيغو هيغاشينو المعروف بقصص الغموض. تتمحور القصة الأصلية حول جريمة قتل وموظفين بشر في شركة روبوتات. بطل العمل هو المهندس اللامع «جايانت» (راجكومار راو)، وهو الصهر المستقبلي لمدير الشركة التنفيذي. يكتشف هذا الرجل أن حبيبته السرية، وهي سكرتيرة وقحة اسمها «مونيكا ماشادو» (هوما قريشي)، تخونه مع زميلَين آخرَين له: ابن المدير التنفيذي «نيشيكانت» (اسكندر خير)، والمحاسِب المتزوج «أرفيند» (باكس). حين تستغل «مونيكا» حملها لابتزازهم، يتعاون الحلفاء الثلاثة غير المتوقعين للتخلص منها. لكن عندما تتعثر خطتهم لارتكاب «جريمة قتل مثالية»، يتخذ الفيلم منحىً قاتماً، فيعرض سلسلة من جرائم القتل الغريبة، ويظهر قاتل مجهول وشرطية غريبة الأطوار (راديكا أبتي)، ويصبح الجميع مُشتبهاً فيهم من دون أن يتّضح المذنب الحقيقي.

في مرحلة معينة، ينشغل «جايانت» برحلته الخاصة لجني المال لدرجة ألا يلاحظ حقيقة ما يحصل من حوله أو يشتبه بالمحيطين به. يتعامل السيناريو مع الوهم الذي يعيشه كأول خط سردي في القصة. تُبغضه الشخصيات الثانوية في حياته، أي تلك التي يُهمّشها هذا النوع من الأفلام. نتيجةً لذلك، يقنع «جايانت» نفسه بأنه يوشك على تكرار تجربة أشهر الأشخاص الذين تحولوا من فقراء إلى أغنياء. هو يشعر بأن هفواته مبررة، وتتّضح هذه النزعة لديه حين يكاد يعترف بالعلاقة التي يقيمها عبر استعمال طفولته الحزينة كمقدّمة للاعتراف. في الوقت نفسه، هو يعتبر انحداره من بلدة صغيرة وصمة عار في حياته، ويحمل تعامله مع شقيقته «شالو» (زين ماري خان) معالم الازدراء في أفضل الأحوال. هو لا يفكر للحظة باحتمال أن تعيش أخته قصة موازية لما يعيشه بنفسه.

لكن يخالف الفيلم بعض القواعد الشائعة في هذا النوع من الأعمال، فيعرض تحولات مختلفة ويطرح سؤالاً جريئاً: ماذا عن القصص التي يخطفها أبطال العمل الأنانيون؟ يبدأ الفيلم أصلاً بحادثة لا صلة لها بالقصة الأساسية داخل مختبر للروبوتات. قد نظن للوهلة الأولى أننا نشاهد الحبكة الرئيسية إلى أن تمرّ ستة أشهر فجأةً، فيصبح المشهد الأول مجرّد تفصيل بسيط من رحلة «جايانت» الصاخبة. هو يسرق الأضواء من الجميع، وترتكز بقية فصول الفيلم على إبطال مفعول المشهد الأول وتسلّط الضوء على إمكانية إخفاء الأحداث في وضح النهار. (ثمة إطلالات خاصة لعدد من الفهود وأفاعي الكوبرا أيضاً، وكأن القاتل يتفاخر باستعمال أدوات جريمة من الزمن الماضي لمواجهة شركة الروبوتات الفاسدة). حتى أن القاتل يظهر في الفصل الثاني من الفيلم وينهي اللغز الكبير قبل وقتٍ طويل من بلوغ الأحداث ذروتها، لكن لا مفر من أن نشعر بالارتباك لأن وجوده لا يؤثر على مسار الأحداث المشوّقة بالشكل المتوقع. ترتكز معظم الأفلام التي تدخل في هذه الخانة على عملية البحث عن القاتل، لكن تنكشف هوية القاتل هذه المرة انطلاقاً من محاولات تقديم فيلم متكامل.

إنها حيلة حذقة لأنها تمنح الشخصيات الثانوية سياقاً واضحاً، علماً أن هذا الطاقم التمثيلي يتألف في معظمه من ممثلين «مهمّشين» في حياتهم الحقيقية. يشارك مثلاً اسكندر خير الذي أهدر موهبته في أفلام بوليوود، مع أنه ممثل هزلي أثبت قدرته على أداء أدوار متنوعة منذ سنوات. كذلك، لم يتمكن سوكانت جويل من تجاوز صورته كشاب مجنون في أفلام المخرج ديباكار بانيرجي. ويقدّم الممثل فيصل رشيد، «الصحفي الآخر» في فيلم Scam 1992 (الاحتيال 1992)، شخصية مسلمة معزولة في هذه القصة، ما يعني أنه الضحية في الشركة. تشارك أكانشا رانجان كابور في العمل أيضاً، وهي معروفة من فيلم Guilty (مذنب) في العام 2020 مع أنها لم تكن نجمة العمل. أخيراً، يبرز اسم شيفا رينداني المعروف بأدواره المسانِدة والوحشية والكوميدية في بوليوود، أبرزها شخصية «الكابتن زاتاك» الأسطورية في فيلم Hum من العام 1991. تعكس نظرة «جايانت» إلى هذه الشخصيات حقيقة وجودهم الهامشي في قطاعٍ سينمائي يُغفل عن مواهبهم حتى الآن، وهي تشير في الوقت نفسه إلى مكانة موقع التصوير الهامشية (مدينة «بونا» الهندية) في أعمال سينمائية نادراً ما تدور أحداثها خارج المدن الكبرى.

يُذكّرنا شيفا رينداني بالممثل عدي إيراني الذي اشتهر في فترة التسعينات وقدّم شخصية «فيكي مالهوترا» الحقيقية في فيلم Baazigar. قدّم إيراني عبر شخصية «فيكي» دور صديق الطفولة الدَبِق الذي يرفض البطل الشرير (شاروخان) الاعتراف به بعد سرقة قصته والزواج بدافع الاغتناء. في تلك الفترة، بقيت شخصيته في خلفية القصة، فقدّم دور شخصٍ مغدور ومدمن على الكحول من مدينة «بانفيل». لكن أصبحت ولاية «ماهاراشترا» المؤلفة في معظمها من أبناء الطبقة الوسطى مكاناً مختلفاً اليوم.

لا يمكن تجسيد وضع هؤلاء الممثلين بطريقة أفضل مما فعل الفيلم. على غرار أفلام التشويق التي تحمل توقيع المخرج سريرام راغافان، يوحي هذا العمل بأن قصص الجرائم القاتمة تبقى متجذرة في اللغة الثقافية الشائعة في السرد القصصي أكثر مما ترتبط بمحتوى القصة بحد ذاتها. لا يتعلق العامل الأساسي في هذه الحالة بالتشويق المرافق لاكتشاف هوية القاتل، بل بالصدمة التي يعيشها المشاهدون حين يدركون أن جميع الشخصيات قادرة على ارتكاب الجريمة.


MISS 3