د. ميشال الشماعي

المواجهة الجديدة

10 كانون الثاني 2020

02 : 00

في ظلّ الأجواء الاقليميّة المتشنّجة، لا ينفع بعد اليوم التلطّي وراء الظلال الوهميّة، وإنكار الواقع الذي نعيشه. قد يتعامى بعضهم عن الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة في حال كان ميسور الحال، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر الوضع الأمني والاستراتيجي المتردّي على صعيد المنطقة ككلّ. ووسط هذا الأتّون، هل يسلم لبنان بإبعاده وأبعاده؟ أم يغرق أكثر فأكثر فيحترق مع المحترقين؟

تتطوّر الأزمة الحكوميّة يوماً بعد يوم بغضّ النظر عن الايحاءات التي ما فتئ فريق الممانعة بإرسالها لخصومه وللعالم. فإذا كان هذا الفريق فعلا واحداً موحّداً ولم يستطع بعد أن يؤلّف حكومته. كيف لو كان الرّئيس المكلّف يرغب الآن في هذه الفترة بتأليف حكومة وحدة وطنيّة؟ لكانت طالت فترة تصريف الأعمال إلى ما لا نهاية، أي حتّى نهاية العهد. في حين أنّ وزيراً ملكاً، وهو الوزير جبران باسيل، لا يتوقّف عن وضع الشّروط أمام الرّئيس المكلّف بغية تحصيل المكاسب في جنّة الحكم ومنها كعادته. وبعد الحدث المبدِّل الذي طرأ على المنطقة، أي اغتيال قاسم سليماني، تبدّلت قواعد الاشتباك إقليميّاً، فصارت عمليّة تشكيل حكومة في لبنان من أولويّات "حزب الله" الذي بات منهمكاً إقليميّاً، ولم يعد متفرّغاً للشأن الدّاخلي فقط؛ ما سمح للوزير باسيل التمادي أكثر في شروطه على الرّئيس المكلّف. وما الردّ الايراني الهزيل الذي ترجم بإلقاء صواريخ على قواعد أميركيّة، إلا ترجمة للقدرات الايرانيّة التي لن تستطيع إيلام الأميركيّين على غرار ما أقدموا عليه. وما بين أن يكون الردّ قاسياً، ولو بالوسائل المتاحة، وبين بقاء منظومة الممانعة للدّخول في مفاوضات جديدة، يبدو أنّ الايرانيّين قد رضخوا لشرط الرّئيس ترامب، أي الدّخول في المفاوضات. ويبقى الترقّب سيّد الموقف لمعرفة ثمن هذه المفاوضات.

يبدو أنّ الايرانيّين سيتخلّون عن جبروتهم في المنطقة، لا سيّما وأنّ الرّئيس الرّوسي بزيارته لقاعدته في سوريا واستقباله رئيسها فيها، دلالة واضحة على أنّه يقول للإيرانيّين والسّوريّين معاً: " الأمر لي في سوريا." وبات جليًّا أنّ الرّئيس الأسد قد أذعن للسيطرة الرّوسيّة مقابل بقائه في الحكم، إضافة إلى دخوله شريكاً مع الرّوس في ثروات بلاده النّفطيّة الموعودة. من هنا، لا يبدو أنّ "حزب الله" في لبنان معنيّ بأيّ ردّ على شكل الردّ الذي أقدم عليه بعد المسيّرات التي أسقطها فوق بيروت، لأنّ أولياء نعمته في إيران قد قاموا بالمهمّة عينها، فجاء ردّهم على غرار ردّه.

لذلك كلّه، سنعود في لبنان والمنطقة إلى الحال التي كانت سائدة قبل الاتّفاق النّووي الأوّل مع الرّئيس أوباما. إيران لم تعد تملك أيّ أوراق هجوميّة لتحسين شروط المفاوضات، بل على العكس تماماً؛ هي ستقدم على تقديم تنازلات تسوويّة على حساب أذرعها العسكريّة الميليشياويّة في المنطقة، لتحسّن شروطها في المفاوضات المقبلة. بينما الوضع في لبنان سيبقى رهينة بيد "حزب الله" بعد تقليم أظافره إقليميّاً. من هنا، سنشهد في الأيّام القليلة القادمة ضغطاً من الحزب على حلفائه المعرقلين، وأبرزهم الوزير باسيل، لتسهيل مهمّة التشكيل بهدف إحكام سيطرته أكثر على الوضع لبنانيّاً. وهذا ما سيحتّم ضغطاً أميركيّاً جديداً على لبنان، قد يترجم بحزمة عقوبات جديدة؛ سوف تزيد الخناق الاقتصادي أكثر على رقاب اللّبنانيّين من دون تمييز.

لم يعد باستطاعة الفريق الليبرالي في لبنان، أو نيو "14 آذار"، فرض إملاءاته على فريق الممانعة. يبقى أن نترقّب الفريق الجديد، أي فريق 17 تشرين، في ما إذا كان سيستطيع أن يفرض أجندة تغييريّة في الساحة السياسيّة. إذا نجح في ذلك، يعني أنّنا سننتقل إلى بدء مرحلة جديدة قوامها العمل والمحاسبة. أمّا إذا فشل، أو أفشل، فهذا يعني حتماً أنّنا سنكون في مواجهة خاسرة لأنّنا لا نملك أي سلاح من أسلحتها. ومن له أذنان للسماع... فليسمع.


MISS 3