في فيديو لم تتخطّ ثوانيه العشرين. تطلّعت فيروز مبتسمة باتجاه كاميرا «موبايل» ابنتها ريما وإلى جانبها قالب حلوى. ثم أشعلت فيروز بعود ثقاب شمعة تتوسط القالب. إحداهن تغني «هابي بيرث داي». صوت مبتهج طالع من عتمة. تنتهي اللقطة واسم ريما الثلاثي وسط الشاشة، أقرب ما يكون الى إزعاج متعمّد. يشوش على الثواني العشرين. ريما الوكيلة الحصرية لعيد والدتها، ومنتجة كل اللحظات الغالية. ماذا علينا أن نفعل؟ أن نتقدّم بأسمى آيات الشكر والإمتنان لأنها أشركتنا، من بعيد، في عيد من نحب؟
فيروز الأيقونة الساكنة في اشتياقنا وصباحاتنا وحزننا الجميل وخفقات القلب الخارجة عن معدّلاتها الموسمية، عايدتنا بعيدها الذي يصادف عشية عيد الإستقلال. إستقلال جمهورية التناقضات. الإستقلال اللبناني أصغر سناً من نهاد حداد، بثمانية أو تسعة أعوام. فقد الإستقلال الأول رونقه. وفقد الإستقلال الثاني خيرة مفكريه وسياسييه ونخبه الشابة. ولم تفقد فيروز مساحة حب ولو بحجم كف يد.
قبل أعوام دعتنا للتحايل على مرور الزمن والإختباء خلف وهم.
«تعا تَ نتخبّى من درب الأعمار
وإذا هنّي كبروا نحنا بقينا صغار
وسألونا وين كنتو... وليش ما كبرتوا إنتو
منقلّن نسينا
واللي نادى الناس.. تَ يكبروا الناس
راح ونسي ينادينا».
نحن أيضاً، نسينا أن نكبر. ومن كبر، غادره وجهه الأول وسافر.
نسينا العمر مع ابتسامة، لا هي ابتسامة عجوز في الثامنة والثمانين ولا هي ابتسامة سيدة في الثامنة والأربعين، ولا هي ابتسامة شابة في أول العشق وعمر الزهر.
في الحادي والعشرين من كل تشرينٍ ثانٍ نشكر الله أننا ننتمي إلى العصر الرحباني، وإلى مدن الدهشة والشعر. ننتمي إلى فيروز النائية والقريبة في آن. وقد خاوى صوتها كيان العاشقين وانبلاج الفجر على الرمل الناعم كقدم طفلة في أول مشيها.
«نطرتك أنا
ندهتك أنا
رسمتك على المشاوير.
يا هم العمر
يا دمع الزهر
يا مواسم العصافير».
من غنى مثلما غنت السيدة فيروز؟ ومن انتظر مثلما انتظرنا اغنية تتكرر سنوات وعقوداً وتتجدد كمواسم العصافير؟
من حظ عيد الإستقلال، مهما ساءت الأحوال، أن موقعه على الروزنامة يفتح القلب كباقة ياسمين في يد يسمى الصغيرة.