اللورد طارق أحمد

العنف الجنسي في حالات النزاع مشكلة عالمية تتطلّب استجابة عالمية

30 تشرين الثاني 2022

02 : 00

وحشيّة الحرب تكمن ليس فقط بالطلقات والقنابل التي تسبّب ضرراً دائماً. حيث العنف الجنسي أيضاً بكل أسى نتيجة شائعة جداً للحرب.

حاليّاً، أوكرانيا وتيغراي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال لا الحصر، هي ثلاث مناطق يسودها النزاع. ويتعرّض المدنيّون، أغلبهم من النساء والفتيات، للاغتصاب والانتهاك الجنسي بشكلٍ مقزّزٍ في مناطق النزاع. وعادةً ما يُفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب عن جرائمهم، لعلمهم بأن احتمال مساءلتهم ومعاقبتهم عن جرائمهم بعيد جدّاً.

هذه الانتهاكات البغيضة يجب أن تتوقف.

لهذا السبب الحكومة البريطانية في طليعة العمل العالمي لإنهاء العنف الجنسي المرتبط بالنزاع ومحاسبة مرتكبيه. لهذا السبب واعتباراً من اليوم (الإثنين 28 نوفمبر) نجمع شركاءنا من أنحاء العالم في لندن لمناقشة السبل واتّخاذ الإجراءات لمعالجة هذا البلاء العالمي.

هذا المؤتمر المُنعقد في الأسبوع الحالي أتى نتيجة عقدٍ من التخطيط والجهود. حيث أطلق وزير الخارجية الأسبق اللورد هيغ والممثلة الشهيرة أنجلينا جولي، قبل عشر سنوات، مبادرة إنهاء العنف الجنسي في حالات النزاع، وهي مبادرة لي الشرف بأن أتولّى زمامها طوال السنوات الخمس الماضية. ومنذ ذلك الحين، قدّمت المملكة المتحدة 50 مليون جنيه إسترليني في السنوات العشر الماضية لدعم نحو 100 مشروع في أكثر من 29 بلداً لمساعدة آلاف الناجين والناجيات من العنف الجنسي لإعادة بناء حياتهم.

ذلك لم يكن سهلاً، فكما نعلم من الإفادات المثيرة للصدمة التي نسمعها بأنفسنا، هذه الجريمة الشنيعة يمكن أن تؤثر على أكثر الناس عرضةً لخطر العنف الجنسي في بعضٍ من المناطق في أنحاء العالم التي يصعب الوصول إليها. ونعلم كذلك بأن العنف الجنسي بعيد كل البعد عن كونه نتيجة حتميّة للحرب. حيث يمكننا عمل الكثير لمساعدة الناجين والناجيات، وأيضاً للحيلولة دون أن يمرّ آخرون بمحنةٍ مماثلة.

شاهدْتُ ذلك بنفسي خلال زيارتي مؤخّراً لجمهورية الكونغو الديمقراطية، برفقة صاحبة السمو الملكي كونتيسة ويسيكس. حيث تعرّضت 22% من النساء إلى جانب 10% من الرجال في أنحاء إقليم كيفو للعنف الجنسي خلال الحرب الدائرة هناك.

ولن أنسى أبداً سماع الصرخات المُريعة لطفلةٍ بريئةٍ تبلغ من العمر أربع سنوات، وهي ضحية اغتصاب. أصغر الضحايا سناً في المستشفى حينذاك. كيف يمكن للرجال فعل ذلك؟ ما هذا الشر الذي يحملونه في نفوسهم؟ وبفضل الجهود الهائلة التي بذلها د. دينيس موكويغي الحاصل على جائزة "نوبل للسلام"، الذي لي الشرف بأن أعتبره صديقاً، يتلقّى الناجون والناجيات الرعاية بكلّ رأفة، بما فيها الرعاية الطبية والنفسية، والدعم الاقتصادي والقانوني لمساعدتهم في إعادة بناء حياتهم.

كما نشارك، إلى جانب شركائنا وحلفائنا، في العديد من المبادرات الأخرى الناجحة في أنحاء العالم. على سبيل المثال، نناصر حقوق الناجين والناجيات من خلال دعم "الصندوق العالمي للناجين"، و"مدوّنة مراد"، و"إعلان الإنسانية". كذلك في أوكرانيا، نشارك في عددٍ من المشاريع الجديدة، بما فيها توفير مساحاتٍ آمنةٍ للنساء والفتيات، كما نرسل خبراء بريطانيين لتدريب المُدّعين العامّين والشرطة على كيفية التعامل مع حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.

وفي إقليم بركو في البوسنة، ساعدنا في دعم تغييراتٍ تشريعيةٍ للاعتراف بكَون الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب وقت الحرب ضحايا مدنيّين، وتوفير حماية قانونيّة مهمّة لهؤلاء الأطفال. والآن نعمل لتأسيس تحالفٍ عالميٍّ جديدٍ من الدول لحماية أطفال آخرين في هذا الوضع. وفي العراق، ساعدنا في تمويل منصّةٍ على الإنترنت لتقديم طلبات الحصول على تعويضٍ بسبب العنف الجنسي الذي تعرّض له اليزيديّون.

لقد قطعنا جميعنا شوطاً كبيراً في السنوات العشر الماضية، لكنّنا نعلم بأن ما زال يلزم عمل الكثير، لمساعدة الناجين والناجيات ولمنع آخرين من المعاناة بسبب هذا العنف. فالاغتصاب والتعذيب والعنف الجنسي هم أشكال حقيقية من العنف الذي يُرتكب اليوم بالفعل. هذا واقع مثير للصدمة في عالمنا وفي العام 2022.

سيكون باستطاعتنا خلال المؤتمر مشاركة تفاصيل الدروس المستفادة في التصدّي للارتفاع الحاد بالعنف الجنسي في العقد الماضي، ومناقشة الإجراءات التي يجب علينا اتخاذها تالياً. هدفنا هو إحداث تغيير ملموس طويل الأمد في حياة الناجين والناجيات، والحيلولة دون تعرُّض آخرين لمحنةٍ مروّعةٍ مماثلةٍ مستقبلاً.

هذه مشكلة عالمية وتتطلب استجابة عالمية. ونحن ندين للناجين والناجيات الشجعان الذين نستقي إلهامنا منهم.

* مبعوث رئيس الوزراء البريطاني الخاص المعني بإنهاء العنف الجنسي ووزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا


MISS 3