شربل داغر

أهو تحريم ديني أم نهي إجتماعي؟

5 كانون الأول 2022

02 : 01

قلما انشغل التفكير بالأسباب الاجتماعية التي وقفتْ وراء الكثير مما يُسمى «المحرمات»، فيما هي «ممنوعات» اجتماعية واقعاً.

يمكن التأكد من هذا، لو انتبهنا، اليوم، إلى أن المسرحية باتت «مسموحة» في جميع البلدان العربية. وكذلك السينما. وكذلك الرواية واللوحة وغيرها.

أكتفي بهذه الأنواع مذكِّرا أنها كانت ممنوعة بحجة أنها من المحرمات، فيما لم تكن كذلك في السند الديني السليم.

فما منعَ المسرحية، لم يرد في اي آية قرآنية، ولا في اي حديث. وكذلك السينما... وإنما ما منعَها هو إمكان التخالط بين الرجل والمرأة. هذا ما جعل المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي يتحدث عن مسرح الأزبكية (الذي أقامه بونابرت في القاهرة) بوصفه مكاناً «يَجتمع فيه النساء والرجال للهو والخلاعة». وهو السبب عينه الذي جعل فقهاء يُنهون عن كتابة الرواية، بدليل أن خمسين سنة انقضت بين الرواية العربية الأولى، في العام 1859، لخليل الخوري، وبين إقدام محمد حسين هيكل على نشر رواية «زينب» في العام 1910. وهو النهي الذي رفعَه محمد عبده إذ اعتبر أن هدف الرواية... تهذيبي، غير مضر.

ما كان مدعاة للاختلاط في المسرح، كان يتحقق حكما في الروايات المترجمة أو الموضوعة، التي جعلت للغرام إمكانا خارج «الزيجات المرتبة»...

وهو ما يمكن قوله في اعمال الفن حيث لم تَختف من المجتمعات المعنية في اي عصر إسلامي، بعد أن تأكد النبهاء وأصحاب الشأن من أن القرآن حَاربَ الوثنية وعبادتها، وليس الصورة، وانه هددَ بـ»معاقبة» من يُسهمون في رواج تمثيل الوثنية وصورِها.

هذا المنع الاجتماعي، تولاه فقهاء في المقام الأول، وكان لضبط «العوام» وحسب، فيما كان «الخاصة» يبيحون لأنفسهم ما يشاؤون. هذا ما يبدأ بالسلطان (العثماني) الذي وجد أن صورته الفنية، الوجهية، هي من متطلبات العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فاقتدى بذلك سلاطين وسلاطين منذ محمد الفاتح. هذا ما جعل غيره يبني في اسطنبول مسرحاً للعروض، وآخر للاوبرا، منذ منتصف القرن التاسع عشر، ما يرسم له صورة «لائقة» أمام السفراء الأوروبيين. هذا ما انساق إليه بعض وجهاء البلاط في الطلب على رسم هيئاتهم الشخصية، ورفعِها فوق جدران قصورهم الزاهية.

هذا ما تُقدِم عليه حكومات واغنياء عرب في بناء متاحف وصالات عرض واقتناء أعمال فنية في مزادات عالمية، بعد أن تحققوا من أن لحركتهم هذه مردوداً استثمارياً أكيداً، وقيمة مالية متعاظمة...

هكذا تتساقط الكثير من القيود، حتى أن فقهاء وفقهاء، بمن فيهم بعض المفتِين، أباحوا ما كانوا لا يترددون في تحريمه، بوصفه (في حسابهم) من صلب العقيدة الدينية.

هل يكفي قول هذا وذاك أن «الضرورات تبيح المحظورات»؟ هل نحن مُكرهون دوماً على إجراء تعديلات وتغييرات لا يتم اختيارها طوعاً؟ أليس جديراً، بل واجباً علينا، التفكير في التعايش مع العالم، وما يقتضيه هذا من إصلاحات وتدقيقات؟

أهل السلطة يُبيحون لأنفسهم ما يشاؤون، فيما يتركون للناس... طاعة التحريمات وغيرها. ذلك أن من أسباب بقائهم في السلطة، الإبقاءَ على هذه البنية الاجتماعية الراضخة. 


MISS 3