سامي الهاشم

سلالـة واصا باشا

8 كانون الأول 2022

02 : 00

رحم الله الشاعر شبلي الملّاط الذي قـــال في قصيـــدة له عن المتصــرّف الرابـــع واصا باشـــا:

رنّوا الفلوسَ على بلاط ضريحه

وأنا الكفيل لكم بردِّ حياته

المتصرِّف واصا باشا (1892-1883)، بعدما بدأ عهده بشكل جيّد وحقّق انجازاتٍ هامة في متصرفيّة جبل لبنان، أنهى سنواته الأخيرة في السلطة بالرشوة والفساد والفوضى، وأضحت المتصرفيَّة رهينة لأصحاب المال والذهب الرنّان، وأصبحت التدخّلات والوساطات في شؤونها الخبز اليومي وعمَّت الفوضى، والمشكلة الكبرى كانت الرشوة...

تعريف الرشوة

برأينا هنالك أكثر من تعريف ولقد اخترنا ستة منها:

1 - الرشوة هي استعمال المال والسلطة للقضاء على الحقّ والعدالة والكفاءة والمساواة.

2 - الرشوة سرقة موصوفة من قبل ذوي النفوذ والسلطان لتنفيذ مآربِهم ومصالح أنسبائِهم وأصدقائهم ومطالب من يدفع أكثر.

3 - الرشوة مال حرام يدفعه الراشي ويقبضه المرتشي من دون أيّ وجه حقّ والإثنان شريكان في الجريمة.

4 - الرشوة أساس الفساد والخراب والإنهيار بعكس العدالة التي هي أساس الملك والتي تشمل حكماً النزاهة.

5 - الرشوة أمّ المصائب والويلات، وكم من الناس ضاعت حقوقُهم وتهدَّمت بيوتُهم من أجل حَفنة من المال يقبَضُها المرتشون.

6 - الرشوة هي ما يُعطى لشخص مسؤول لإبطال حقّ أو إحقاق باطل.

تُعتبر الرشوة من أفدح الجرائم وأخطرها ابتداءً: من رشوة القاضي الذي يتنكّر للحقّ ويتعبَّد للمال والذي يحاكم البريء ويُبرّئ المجرم أو يُعطي الحقّ لغير صاحبه ويحرم صاحبه الحقيقيّ... إلى رشوة الموظّف الذي يتقاضى معاشه من الدولة ومن تعب الشعب وعرق جِباه المواطنين والذي لا ينفّذ أيّة معاملة إلّا بعد أن يدفع صاحبها المبلغ المرقوم... إلى رشوة المسؤولين عن التوظيف في مختلف القطاعات، الذين يضعون الكفاءة جانباً ويُنجِّحون الذين يدفعون أكثر أو الذين تربطهم بهم مصالح خاصّة.

سلالة واصا باشا

قد يكون داء الرشوة متأتّياً من واصا باشا وقد يكون المرتشون من سلالته غير المباركة، ومن المؤسف أنّ هذه السلالة كثُرَت ونمت وتفاقمت أفعالها الشائنة، وللتأكيد علينا أن ننظر إلى عهد الاستقلال، ونصنِّف: من هم الذين ينتسبون إلى واصا باشا؟ ومن هم الشرفاء، النبلاء وذوو الكفوف النظيفة؟ من هم المرتشون الذين باعوا ضمائرهم من أجل تكديس الثروات على حساب المواطنين الذين هم، في أقليّتهم أبرياء، وفي غالبيّتهم مشتركون بالجريمة؟ ومن هم الموظّفون أو المسؤولون الذين لم يدخل بيوتهم مالٌ حرام؟

من المؤسف القول: إنّ سلالة واصا باشا تعاظم شأنها وشكّلت الأغلبيّة، وبأعمالها المشينة أوصلت البلاد إلى الأوضاع الرديئة جدًّا التي نعيش وإلى الخراب الكامل على المستويات كافّةً، فلم يبقَ قطاع إلّا وهدَّمته ولا إدارة إلّا ودمّرتها وقد وصلنا إلى جهنّم بالفعل!

قضت سلالة واصا باشا على السلطات الثلاث: السلطة التنفيذيّة بدون رئيس جمهوريّة وبحكومة غير مكتملة الصلاحيّات أو حكومة تصريف أعمال، السلطة القضائيّة كادت أن تتعطّل كلّيًاً بسبب السياسيّين وغطرستهم وعنادهم وتدخّلاتهم بالشاردة والواردة، السلطة التشريعيّــة التي يُختصر مجلسُها النيابيّ بشخص رئيســــه الذي يمكنه القول: أنا المجلس: Je suis le Parlement. كما كـان يقول ملـك فرنسـا لويس الرابع عشـر: أنا الدولـة :Je suis l’Etat

سلالة واصا باشا هي مالكة القصور والطائرات الخاصّة واليخوت والسيارات الفخمة والأرزاق الشاسعة والثروات الطائلة والأموال المكدَّسة ولا يستطيع أحد أن يسألها: من أين لكِ هذا؟!

تلك السلالة أمّنت نفسها وهرَّبت أموالها إلى الخارج والشعب يرزح تحت نير الويلات والمصائب والغلاء الفاحش وانعدام فرص العمل والقلق على المصير والخوف من المستقبل! سلالة واصا باشا أوصلتها الرشوة إلى مصاف أغنى أغنياء العالم، وهؤلاء هم الذين أوصلوا البلاد إلى ما تحت الحضيض، والعباد إلى درجة الفقر والعوز واليأس والبؤس والتعتير!

هؤلاء هم الذين هجّروا شبابنا وشاباتنا ولم يبقَ في لبنان غير العَجَزة والذين لا يُمكنهم أن يُهاجروا! هؤلاء هم الذين حوّلوا بلداً جميلاً رائعاً غنيّاً إلى بلدٍ يعاني أهله من الجوع ويلجأون إلى «زوارق الموت» بحثًا عن لقمة العيـــش، ويخافون من ذكر كلمة طبيب أو مستشفــى أو صيدليّــة لأنّه لم يعد بإمكانهم أن يتطبَّبوا، علماً أنَّ الطبابة هي أولى الأولويّات!

سلالة واصا باشا هي التي قضت على القطاعات التربويّة والإقتصاديّة والماليّة والصناعيّة والصحيّة والتجاريّة والزراعيّة والخدماتيّة... هي التي دفنت لبنان حيّاً ولم تترك «كمشة طحين» على خميرة الوطن!!! وختاماً نقول: إذا لم يأتِ يومٌ يُقضى فيه على سلالة واصا باشا، لا أمل في الحياة لوطنٍ نعبده بعد الّله!!!


MISS 3