خالد أبو شقرا

الهيئات الإقتصادية تقترح شركة قابضة تضم 15 مؤسسة عامة يديرها القطاع الخاص

فهد: الخسائر ليست كبيرة وتعويض المودعين ليس مستحيلاً

12 كانون الأول 2022

02 : 00

جانب من الهيئات الاقتصادية خلال المؤتمر الصحافي للإعلان عن خطتها للتعافي

تنقسم الآراء حول طريقة الخروج من الإنهيار الإقتصادي بين وجهتي نظر أساسيتين. الأولى تتماهى مع ما يطرحه صندوق النقد الدولي، وترى بأن لا حل لردم الفجوة المالية الهائلة في مصرف لبنان، المقدرة بأكثر من 72 مليار دولار، إلا من خلال شطب في الودائع. والثانية تقودها الهيئات الإقتصادية بوصفها لنفسها «أم الصبي». وتعبّر بأن هناك إمكانية عالية جداً للتعويض على المودعين المستحقين، وضمان نمو الاقتصاد من خلال التوزيع العادل للخسائر. وقد وضعت الهيئات آراءها بخطة قريبة جداً، كما تقول، من حيث الشكل والمضمون مع ما طرحته خطة الحكومة في نسختها الأخيرة.

إلا أنه بعد نحو ثلاثة أشهر على إطلاق الهيئات الإقتصادية خطتها للتعافي الإقتصادي والمالي، ما زالت الأمور عالقة في مربع النقاش المبدئي الأول. فـ»صندوق النقد الدولي، يرفض أي طرح يقضي بالإستفادة من الأصول العامة للتعويض على المودعين؛ حتى ولو كان يضمن عدم بيع الملك العام، إنما تشغيله بكفاءة عالية من القطاع الخاص»، بحسب نائب رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان للتجارة والصناعة والزراعة د. نبيل فهد، و»مجلس النواب اللبناني يستحيل أن يمرر خطة تتضمن شطباً للودائع بهذا الحجم الهائل». أمّا العقدة الثانية التي تحول دون التوصل إلى توقيع الإتفاق مع الصندوق فتتمثل بحسب فهد «بالتأخر في إقرار القوانين الضرورية لخطة التعافي في مجلس النواب، وعدم تطبيق الشروط المسبقة التي اتفق عليها لبنان مع صندوق النقد الدولي في الإتفاق الذي جرى على مستوى الموظفين في نيسان الفائت».



نبيل فهد



التخفيف من الخسائر ليس حلاً

على الرغم من هذه الوقائع غير الباعثة على الآمال، فان «إمكانية موافقة صندوق النقد الدولي على عدم تحميل المودعين النسبة الأكبر من الخسائر ليست مستحيلة»، يقول فهد، «فمن خلال المفاوضات واستعمال الحجج المنطقية والعلمية، نستطيع أن نتوصل مع الصندوق إلى الموافقة على إنشاء «صندوق استرداد الودائع» الذي طرحته الحكومة، أو إنشاء شركة قابضة تُحفظ فيها ملكية 15 مؤسسة عامة يديرها القطاع الخاص، وتضمن بعد فترة التعويض على المودعين المستحقين. والحلّان يضمّان تقسيط الودائع على فترة متوسطة». وبحسب فهد فان المباحثات مستمرة بين الهيئات والحكومة من جهة، وبين الأخيرة وصندوق النقد الدولي من جهة ثانية للإتفاق على حل يتفق عليه الجميع».

الهيئات والشركة القابضة

خلافاً لطريقة عمل «صندوق استرداد الودائع» الذي يُصدر حقوقاً (أي أوراقاً) مالية في الصندوق لصالح المودعين من أصحاب الحسابات الكبيرة المؤهلة، فان طرح الهيئات يقضي بانشاء شركة قابضة تُحفظ فيها ملكية 15 مؤسسة عامة يديرها القطاع الخاص. وعندما يرتفع مردودها عن حد معين تذهب الأموال إلى تغذية صندوق التعويض على المودعين، لمدة تتراوح بين 10 و12 سنة. وهذا الطرح لا يشكل من وجهة نظر الهيئات أي خطر على استدامة الدين الذي يحرص صندوق النقد على عدم وجود أي معيق لها. فالصندوق المنشأ سواء كان اسمه استرداد الودائع، أو حتى شركة قابضة «لا يمثل» contingent liability»، أو ما يعني خسارة محتملة قد تحدث في المستقبل إعتماداً على نتيجة حدث معين»، من وجهة نظر فهد. «ذلك أن التعويضات من الصندوق لا ترتبط بمهلة زمنية معينة، ولا يترتب عليه مبلغ ثابت يستحق سنوياً. إنما هو يعتمد على القدرة الإنتاجية للمؤسسات فوق الحد المطلوب. وفي هذه الحالة فقط يجري التعويض على المودعين. أما في حال عدم انتاجيتها فلا يترتب على الشركة تسديد أي دفعات. وبالتالي لا تمثل هذه الشركة ديناً مستحقاً على الدولة بأي شكل من الأشكال. وهي بذلك لا تتعارض مع ضمان استدامة الدين المقدم من الصندوق للدولة اللبنانية، أو حتى تحقيق النمو والتنمية المجتمعية المستدامة».

ضمان نمو الاقتصاد

أهمية الإتفاق على توزيع الخسائر بهذا الشكل، لا تضمن إعادة أموال المودعين المستحقة والمقدرة بحسب الهيئات بحدود 30 مليار دولار، إنما تؤدي أيضاً إلى زيادة إنتاجية المؤسسات العامة وارتفاع مردودها. ومع تخطي المردود نسبة معينة، تحول الاموال للتعويض عن المودعين. وهذا يتطلب بالإضافة إلى إقرار القوانين، التفاوض على أساس حسن النية مع الصندوق، والإتفاق على المدة التي تتطلبها إرجاع الودائع، والشركات التي سيجري إدراجها في الصندوق.

توزيع الخسائر بحسب خطة الهيئات

ليس بعيداً عن الخطة الحكومية التي صنفت الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة، حددت الهيئات الإقتصادية في خطتها كيفية إرجاع أموال المودعين مستندة على آخر الأرقام المتوفرة. وقد نصت على التالي:

1- تسديد الفوائد على الودائع المتراكمة بين 2015 و2020 والمقدرة بـ 12 مليار دولار على سعر 1500 ليرة للدولار.

2- تسديد المبالغ المحولة من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول، والمقدرة بـ 16 مليار دولار على أساس 8000 ليرة أيضاً في نهاية السنة السابعة.

3- تسديد الودائع من قيمة 100 الف دولار وما دون والمقدرة بـ 19 مليار دولار، ثلاثة ارباع بالدولار والربع بالليرة اللبنانية على أساس سعر السوق. وستتحمل المصارف هذا التدبير، بنحو الثلث، ومصرف لبنان بالثلثين.

4- إعادة نحو 7 مليارات دولار مودعة بالدولار، 4 مليارات منها «فريش» ستتم إعادتها على امتداد 5 سنوات، و3 مليارات دولار ستعاد الى المودعين على شكل سندات يصدرها المصرف أو اعطاء أسهم فيه.

5- مساهمة الدولة في إعادة جزء من الأموال الى المودعين، وحجم هذا الجزء 30 مليار دولار، من خلال إنشاء الدولة شركة قابضة «هولدنغ»، تحفظ فيها ملكية نحو 15 مؤسسة عامة في مختلف القطاعات من الكهرباء الى الماء والاتصالات وصولاً الى شركات سيادية يتم إنشاؤها في ما بعد. بحيث تبقى أموال الدولة لها، ولكن إدارة هذه الشركات ستكون لدى القطاع الخاص.

الخطة ليست محاسبية

وبحسب فهد فان «أهمية المنطق الذي انتهجته خطة الهيئات الإقتصادية ينطلق من كونه إقتصادياً ديناميكياً وليس محاسبياً، جرى إسقاطه من فوق على الأزمة. فمع تحقيق النمو الإقتصادي تزداد فرص العمل وتتعزز مداخيل الدولة ويعود القطاع المصرفي إلى العمل...». كل هذه العوامل لا تسهم باسترداد الأموال على فترات متوسطة بين 10 و15 سنة، وردم الفجوة المالية من خلال تحقيق النمو الإقتصادي وزيادة المردود للشركات والمؤسسات العامة التي هي ذات الصفة التجارية فحسب، إنما تضمن الحد من التضخم أيضاً. فالخطة تحدد أولاً مستوى الليلرة، وهي تضمن عدم زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية للتعويض على المودعين بأكثر من 20 ألف مليار ليرة سنوياً. وذلك لكي لا يصبح هناك ضغط وتضخم على سعر الصرف. وهذه من أهم النقاط في الخطة. وتشدد ثانياً على ضمان علمية الاصلاح. فهي ترتكز على تحقيق الاصلاحات إن كان في النظام الضريبي أو القطاع العام. وهذه الإصلاحات تسير بالتوزاي مع خطة التعافي لضمان دخول الأموال وعوائد الإيرادات المنتظرة على الخزينة ولا تذهب هدراً.

Bail In

تتضمن خطة الهيئات الاقتصادية شكلاً من أشكال bail in أو ما يعني تحويل جزء من الودائع إلى اسهم في المصارف. ولكن ما يميز الإجراء المقترح عن خطة الحكومة أنه إختياري وليس إلزامي. فبحسب خطة الحكومة يحول جزء من أصول البنوك، بما في ذلك إيداعاتها ومنها شهادات الإيداع في البنك المركزي، إلى صندوق استرداد الودائع. كما تخول حقوق مصرف لبنان المكفولة الصندوق الإستفادة من إيرادات الأموال المسروقة والمهربة وغير المشروعة. أما بالنسبة إلى خطة الهيئات فهي ترتكز على قدرة المصرف للتعويض على المودعين. فالمصرف القادر يستطيع إرجاع كامال الأموال المستحقة للمودعين. أما غير القادر فيستطيع تخيير مودعيه بين الحصول على سندات دين أو أسهم تفضيلية أو حتى أسهم عادية. ويتميز هذا الطرح بمرونته العالية بالنسبة للمصارف، وذلك بحسب كل حالة بحالتها. فالمصارف التي تستطيع التعويض على المودعين غير ملزمة بإجراء Bail In. فيما تلك التي لا تريد إشراك المساهمين برأسمالها تعطيهم أسهماً تفضيلية، والمصارف التي لا تعارض توسيع قاعدة مساهميها يمكنها إعطاء المودعين بدل ودائعهم أسهماً عادية. وبهذا الشكل تتحقق مصلحة الجميع.

المأخذ على خطة «الهيئات»، كما على طرح الحكومة الأخير في خطتها، هو تنكرهما للخسائر وعدم اعترافهما بوقع الضرر. وبحسب فهد فان «72 مليار دولار لا تمثل خسائر واقعة، إنما فجوة مالية. وبتقديرنا هذه الفجوة ليست كبيرة أولاً، وإرجاعها ممكن من خلال تحقيق النمو الاقتصادي، وضمان تحسن بمردود الشركات أو المؤسسات العامة ذات الصفة التجارية».

لا حماية للبنوك

في الوقت الذي يثير فيه طرح الهيئات الاقتصادية إنشاء شركة قابضة الكثير من التحفظات، على أساس أنه مثله مثل انشاء صندوق استرداد الودائع في خطة الحكومة، يساهمان في حماية البنوك على حساب المال العام، تنطلق خطة الهيئات من نقطة تصفير رساميل المصارف أولاً وإحتمال إدخال مساهمين جدد إلى إدارتها. فرساميل القطاع المصرفي سالبة بمئات ملايين الدولارات، والمصارف مجبرة وفقاً لهذه الخطة على تحمل الخسائر، واقتطاعها من رساميلها. ومن الناحية المحاسبية فان وجود خسارات مدورة (غير موزعة) في رساميل المصارف بسبب تعددية أسعار الصرف، واسترجاع قروضها الدولارية بالليرة وعلى سعر صرف 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار وتوحيد سعر الصرف، فان هذه الخسارات الحقيقية على المصارف تصبح كبيرة جداً في حال انتقالها إلى حساب الأرباح والخسائر. وعليه تجبر المصارف على اقتطاع هذه الخسارة من رأسمالها. وبالتالي فان هذه الخطة بما تتضمنه من صندوق لاعادة الودائع لا تحمي المصارف، بل العكس تجبرها على إعادة الهيكلة بشكل صحيح. والمصرف الذي يستطيع رسملة نفسه يستمر، فيما تخرج من السوق المصارف التي لا تستطيع رسملة نفسها بأموال طازجة.

في جميع الحالات تتطلب أي خطة وجود الثقة وعمل المؤسسات بشكل حقيقي وقضاء نزيه وأمن ممسوك لكي يتشجع المستثمرون على الانفاق وصرف الاموال. ومن دون تحقيق هذه البديهيات عبثاً نحاول النهوض من كبوة الإنهيار مهما تفننا في صناعة الخطط وتوزيع الخسائر على نحو عادل.


MISS 3