خالد أبو شقرا

تعطيل مقصود لتنفيذ المرحلة الأخيرة من شروط «التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية»

CRS ... شعرة تحول دون هدم هيكل الفساد السياسي

19 كانون الأول 2022

02 : 00

شكّل التهرب الضريبي خلال العقد الماضي هاجساً حقيقياً بالنسبة للدول المتقدمة. وقد اكتسبت مساعي مكافحة هذه الظاهرة المستفحلة دفعاً قوياً بعد أزمة الرهون العقارية، التي انفجرت في أميركا في العام 2008. حكومة الولايات المتحدة، بشكل أساسي، وجزء من حكومات الدول الأوروبية ومصارفها المركزية، كانت بحاجة إلى مصادر مالية إضافية لتمويل برامج إنقاذ المصارف التي تقف على حافة الإفلاس والإنهيار. وللغاية أقرت الولايات المتحدة في العام 2010 قانون «الإمتثال الضريبي للحسابات الخارجية «FATCA». وهو قانون يلزم الدول بتقديم تقارير مالية عن المواطنين الأميركيين الذين يملكون حسابات وأصولاً مالية خارج الولايات المتحدة. ومن بعدها وضعت «منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية» OECD، في العام 2014 معيار التبادل التلقائي للمعلومات الذي عُرف بـ «المعيار»، لمواجهة التهرب الضريبي. وبالفعل وقّع عدد كبير من الدول على الالتزام بالمعيار لغاية العام 2016، ومن ضمن هذه الدول لبنان.

لبنان يزوّد الدول بالمعلومات ولا يتزوّد بها

في 11 نيسان 2016، أعلنت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» إلتزام لبنان بالتبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية مع بلدان أخرى. بعد ذلك، أقرّ البرلمان اللبناني في 27 تشرين الأول 2016 القانون رقم 55 المتعلق ﺑ «تبادل المعلومات لغايات ضريبية». وفي نيسان 2017، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ممثلين عن الحكومة اللبنانية وقعوا اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات لغايات ضريبية (Multilateral Competent Authority Agreement‎ (MCAA، مما أعاد تأكيد التزام لبنان بتنفيذ التبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالحسابات المالية والشروع بالتبادل بدءاً من العام 2018.

لتبسيط الموضوع يمكن القول إن وزارة المالية اللبنانية تبعاً لهذه الإتفاقية، يمكنها أن تحصل تلقائياً أو بناء على طلب مسبق، على معلومات مالية تتعلق بأصول وحسابات مواطنيها في الدول الأجنبية، ولا سيما أولئك الذين يمضون في لبنان فترة تزيد عن 6 أشهر. فالمادة الثانية من القانون رقم 55 تضمن «إعطاء معلومات محددة مسبقاً عن مقيمين في دول أجنبية ترتبط مع لبنان بموجب الاتفاقية، وذلك بشكل دوري ومن دون أي طلب مسبق». وهذه المعلومات لا تخول الإدارة الضريبية التابعة لسلطة وزارة المالية التدقيق بصحة و»نظافة» مصادر الأموال المحولة من لبنان، وما إذا كانت مستوفية لشروط الافصاح، وإذا كان أصحابها قد سددوا المتوجب عليهم من رسوم وضرائب (ضريبة الربح وضريبة الدخل) فحسب، إنما أيضاً يحق للادارة الضريبية مطالبة اللبنانيين بدفع الضرائب عن نشاطهم الاقتصادي في الخارج. وهو ما يشكل مصدر دخل وفير جداً للخزينة. خصوصا مع حجم أعمال اللبنانيين في الخارج وحساباتهم المصرفية.



المحامي كريم ضاهر


الإدارة الضريبية التابعة لوزارة المالية في لبنان تعمل لغاية اليوم في اتجاه واحد، ONE WAY. فهي تزود الدول المشاركة بكل المعلومات عن حسابات مواطنيها وأصولهم ونشاطهم الاقتصادي في لبنان قبل 30 أيلول من كل عام، فيما لا تستقي المعلومات من هذه الدول عن البيانات المالية للبنانيين في الخارج بشكل تلقائي. وذلك كما تنص إتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية CRS الموقعة مع نحو 66 دولة. و»السبب أن لبنان ما زال لغاية الساعة يماطل في إتمام مراحل تنفيذ «الإتفاقية» التي تسمح بحصوله على المعلومات الضريبية عن مواطنيه في الخارج رغم قطعه شوطاً مهماً جداً»، يقول الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة المحامي كريم ضاهر. «إذ أن الأمور ما زالت عالقة في مربع المرحلة الثالثة الأخيرة التي تنص عليها الإتفاقية».

عوائق الحصول التلقائي على المعلومات من الدول الأجنبية

لكي يتاح للبنان تلقي المعلومات بشكل تلقائي يجب أن يجتاز ثلاث مراحل رئيسية، وهي:

- المرحلة الأولى، وجود القوانين المناسبة التي تسمح بالتبادل. وقد جرى تمرير هذه التشريعات بالفعل بين العامين 2015 و2016 من ضمن ما عرف بقوانين الضرورة المالية. سيما القانون 43 الذي عُدّل بالقانون 55. والقانون 44 الذي عَدّل القانون 318/2001 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وقانوني 74 و75.

- المرحلة الثانية، تفرض على الدولة تجاوز مراجعة الأقران «peer review»‏، أي عملية التقييم المباغت التي يقوم بها فريق أجنبي مختص لمعرفة قدرة الإدارة الضريبية في لبنان على تلبية المتطلبات بشكل فوري. وهذا المطلب قد نجح لبنان بتجاوزه أيضاً.

- المرحلة الثالثة، وتتعلق بحماية خصوصية المعلومات المرسلة من الدول الأجنبية، وضمان عدم استعمالها في انتهاك حقوق الإنسان. كأن تقع في يد الجهات الخاطئة أو الفاسدة وإتاحة استعمالها للإبتزاز أو الخطف أو التعدي أو التهديد... وخلافه. ولعل هذا أكثر ما يثير مخاوف الدول الأجنبية في التعامل مع الدول غير الموثوق بها. وذلك ليس حرصاً منها على حماية حقوق الإنسان فحسب، إنما أيضاً لعدم تعرضها للملاحقة القانونية من قبل الاشخاص الذين يتعرضون للانتهاكات الانسانية بسبب الافصاح عن معلوماتهم الضريبية.

تطبيق القانون 55 كفيل بهدم هيكل الفساد

وبحسب ضاهر فان «لبنان تجاوز المرحلتين الأولى والثانية، فيما بقيت بعض النقاط العالقة في المرحلة الثالثة، بسبب عدم وجود النية السياسية باتمامها. وذلك على الرغم من العمل الجدي والدؤوب خلال المرحلة الماضية على «خطة العمل» ACTION PLAN المؤلفة من نقاط أساسية». ولإبطال العجب، يكفي أن نعرف أن «حصول لبنان بشكل تلقائي على المعلومات الضريبية من الدول الأجنبية كفيل أولاً بفضح سياسيين وموظفين كبار ومحيطين بهم، وإظهار ما يملكونه من حسابات في الخارج. وستثبّت هذه المعلومات تهربهم الضريبي ثانياً. وثالثاً والأهم، أنه في حال كانت هذه الأموال لا تتناسب مع إيراداتهم في لبنان، يصبحون عرضة للإتهام بالإثراء غير المشروع. وفي حالة إخراج الأموال الناتجة عن التهرب الضريبي والإثراء غير المشروع، يتحول الاتهام إلى تبييض أموال. وهو ما يُستتبع بالملاحقة الجزائية في الداخل، وحجز الأموال في الخارج، وإتاحة الفرصة أمام الدولة اللبنانية لاسترجاع هذه الأموال تبعاً للقانون 214 الذي ينص على استرداد الأموال المتأتية من أعمال الفساد وتببيض الأموال. هذا ويؤدي تطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية إلى كشف المنظومة الحامية والممولة للسياسيين. ولذلك نرى أن هناك مروحة واسعة من سياسيين ومتنفذين ورجال أعمال يحرصون على عرقلة إنجاز المطلوب وعدم دخول القانون حيز التنفيذ، تحت «قشرة» المحافظة على النظام الإقتصادي الحر الواهية». بمعنى آخر فان تطبيق القانون، والوصول إلى التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، سيؤديان إلى هدم هيكل الفساد المبني من «ورق اللعب». ويكفي أن نسحب «شعرة» العائق الأخير التي تحول دون تلبية المتطلبات الدولية، حتى يتداعى الهيكل فوق رؤوسهم. وعليه لا عجب من تحويل السلطة السياسية هذه الشعرة إلى شعرة معاوية من المستحيل قطعها.

الإتفاقية المتعددة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي MAC مفيدة أيضاً

من ضمن الاتفاقيات الموقعة دوليا تبرز «المعاهدة المتعددة الأطراف»، المعروفة بـ»الإتفاقية المتعددة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي». من ضمن ما تنص عليه بنود الإتفاقية هو التبادل غب الطلب الموقع عليه لغاية اليوم من حوالى 180 دولة حول العالم. وهو ما يتيح للبنان الطلب من أي بلد من البلدان المدرجة في الإتفاقية، معلومات مالية عن مواطنيه، والعكس بالعكس. وبالتالي يستطيع لبنان أن يمارس هذا الحق بسلاسة وفقا للقانون 55 الذي وضعه موضع التنفيذ، والحصول على معلومات من سويسرا وفرنسا وغيرهما عن الأشخاص الذين تدور حولهم شبهات الفساد على غرار حاكم مصرف لبنان، مثلاً والأشخاص الذين على صلة به. وهذا طبعاً ما لم يفعله لبنان.

تتحمل وزارة المالية من حيث الشكل المسؤولية الأولى عن عدم إنجاز شروط التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية أو الحصول عليها غب الطلب. إلا أن في المضمون فان هذه الوزارة تنفذ الرغبة السياسية المتوافق عليها من جميع الأطراف لعدم فضحهم. وطالما إدارات الدولة ممسوكة من المنظومة، فعبثاً نحاول الإصلاح.

مصارف ورّطت زبائنها الأجانب

بعد دخول القانون 55 حيز التنفيذ بدأ لبنان منذ العام 2017 تزويد الإدارات الضريبية الأجنبية بالمعلومات عن مواطنيها في لبنان بشكل سنوي، تبعاً لتنفيذ التبادل التلقائي للمعلومات. ولقد لعبت المصارف دوراً أساسياً في هذا السياق، ولكن للأسف من دون علم أصحاب الحسابات بداية، رغم التطمينات التي أعطتها لهم عن أن لبنان بمنأى عن تطبيق القانون. الأمر الذي فوّت على زبائن المصارف غير المقيمين، فرصة التصريح عن حساباتهم في دولهم، والإستفادة من التسويات التي فتحها العديد من الدول الأجنبية، ومنها فرنسا، لتنظيم أوضاعهم. فعمدت المصارف بعد دخول القانون 55 حيز التنفيذ إلى تزويد الإدارة الضريبية اللبنانية التي التزمت إلى أقصى الحدود وأرسلت المعلومات إلى البلدان الشريكة. فعلِق بعض أصحاب الحسابات ولوحقوا جزائياً في دولهم وجرى الحجز على أموالهم.



كيف تقدّم المعلومات عن الحسابات المصرفية؟ 

تقدم المصارف اللبنانية الى السلطات الضريبية المحلية تقريراً سنوياً بمعلومات (مثل الاسم، العنوان، مكان الاقامة الضريبي، رقم التعريف الضريبي، رقم الحساب، رصيد الحساب ومعلومات مالية أخرى) عن الحسابات التي يحتفظ بها أصحاب هذه الحسابات المقيمون ضريبياً في بلدان أجنبية. كما تلتزم المصارف اللبنانية أيضا بقانون FATCA الأميركي. حيث تلتزم بتقديم تقارير عن المواطنين الأميركيين الذين يملكون حسابات وأصولاً مالية في لبنان الى مصلحة الضرائب الاميركية. وهي تصرح بشكل دقيق عن أي حساب يعود إلى شخص أميركي (سواء أكان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً)، او يعود لمؤسسة/ شركة أجنبية مملوكة من قبل شخص اميركي بنسبة تزيد عن 10 في المئة من الاسهم أو الحصص من رأس المال سواء بشكل مباشر او غير مباشر.


MISS 3