الاحتجاجات النقابيّة مستمرّة في فرنسا

"أنظمة التقاعد"... بين سندان الحكومة ومطرقة الشارع!

11 : 52

جانب من مسيرة احتجاجيّة في ليون أمس (أ ف ب)

ناقش مجلس الوزراء الفرنسي مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، الذي اقترحه الرئيس إيمانويل ماكرون، وأحاله إلى البرلمان بالأمس، بالرغم من ضغوط النقابات التي نظّمت تظاهرات واسعة وإضرابات في أرجاء البلاد كافة. وعبرت تظاهرة كبيرة وسط العاصمة باريس، حيث انطلقت قبل الظهر من "ساحة الجمهوريّة" في اتجاه "ساحة كونكورد"، في حين تعهّد رئيس "الكونفدراليّة العامة للعمل" فيليب مارتينز بـ"الصمود حتّى سحب مشروع الإصلاح". وأضاف مارتينز، الذي كان في طليعة الاحتجاج، أن "التعبئة مهمّة دائماً. الحكومة تواصل العناد، يجب الاستمرار في ممارسة ضغوط عليها".

وعند انطلاق التظاهرة الباريسيّة، التي جمعت آلاف المحتجّين، أكد زعيم نقابة "القوى العاملة" إيف فيريه أنّه "حين يقول الرئيس إنّ الإصلاح وجد ليبقى مدّة طويلة، يُمكنني أن أقول إنّه لن يدوم وأنا على قناعة أن الأمر سينتهي بإدخال تعديلات واسعة عليه". أمّا زعيم حزب "فرنسا المتمرّدة" (أقصى اليسار) جان لوك ميلانشون، فقال إنّه "حين يُناقش مجلس الوزراء مشروع قانون، فذلك يعني بوضوح أن ماكرون لم يعد يسعى إلى الإقناع وأن نيّته الانتصار، وهذا أسوأ ما يُمكن أن يحدث في مجتمع ديموقراطي".

وعلى وقع "ماكرون استقلْ" تظاهر المحتجّون في باريس، في تحدّ للرئيس الذي يُمثل مشروع القانون بالنسبة إليه جزءاً مهمّاً من مشروعه "لتحويل" فرنسا.

وتظاهر 249 ألف شخص في نحو 60 مدينة وبلدة فرنسيّة، بينهم 31 ألفاً في باريس، وفق أرقام وزارة الداخليّة الفرنسيّة، بينما ذكرت "الكونفدراليّة العامة للعمل"، التي تقود الحركة، أن عدد المشاركين بلغ 1.3 في عموم فرنسا، فيما قدّرت عددهم في باريس بما بين 350 و400 ألف ساروا في وسط العاصمة.

وفي السياق، رأى أحد القادة النقابيين بنوا تيست أن "الحركة تُحافظ على زخمها، فنسبة المشاركة في الإضراب مرتفعة والحركة لا تزال مستمرّة وليست مجرّد تحرّك هامشي"، وذلك في اليوم الواحد والخمسين للحركة التي انطلقت في 5 كانون الأوّل. ويواجه معارضو مشروع إصلاح أنظمة التقاعد تحدّياً للحفاظ على استمراريّة الحركة الاحتجاجيّة، خصوصاً بعد توصّل الحكومة إلى اتفاق مع النقابات الأكثر اعتدالاً. وأفاد المسؤول في الشرطة ديدييه لالمون بأنّ الشرطة "سخّرت موارد بشريّة وماديّة مهمّة" تحسّباً لامكانيّة حصول "أعمال عنف وتخريب"، إذ تصاعد التوتر إلى أعلى درجاته هذا الأسبوع بعد حصول انقطاعات في الكهرباء تبنّتها "الكونفدراليّة العامة للعمل"، التي احتجزت الشرطة بعض عناصرها لفترة وجيزة. وفيما دعت الحكومة إلى تطبيق عقوبات، اتهمها مارتينز بأنّها "تزيد تأجيج الأوضاع". وبعد عودتها إلى وضع شبه طبيعي في الأيّام الأخيرة، اضطربت حركة السير مرّة أخرى. وفي حين عملت القطارات الدوليّة السريعة بشكل شبه عادي، عمل المترو الباريسي على نحو أقلّ سلاسة، إذ نشطت ثلاثة خطوط فقط بشكل طبيعي. وتلتزم بالإضراب قطاعات أخرى غير النقل، بحيث استمرّ إغلاق "برج ايفل" طوال يوم أمس، وكذلك بعض المدارس. وبالرغم من إعلان يوم تعبئة جديد في 29 كانون الثاني، حافظت الحكومة على برنامج عملها. ويُفترض أن يُناقش البرلمان ابتداءً من 17 شباط مشروع الإصلاح الذي يُلغي عشرات من أنظمة التقاعد الخاصة التي تسمح حاليّاً لبعض الفئات المهنيّة، على غرار عمّال القطارات، بالتقاعد في سنّ أدنى. بموازاة ذلك، تستمرّ المحادثات بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل حول نقاط محوريّة في المشروع، على غرار المهن الشاقة والحدّ الأدنى لمعاشات التقاعد وتوظيف كبار السن. وقبلت الحكومة بسحب اقتراح نظام حوافز يحضّ العمال بشدّة على مواصلة العمل حتّى سنّ 64 بدلاً من التقاعد في سنّ 62. وسمح هذا السحب الموَقّت بإبرام اتفاق بين الحكومة والنقابات "الإصلاحيّة"، على غرار "الكونفدراليّة الفرنسيّة الديموقراطيّة للعمل"، التي حذّر أمينها العام لوران بيرجيه من أن "الوضع سيبقى متوتّراً للغاية إذا لم يتمّ التوصّل إلى حلّ".

في غضون ذلك، ندّد الرئيس الفرنسي بشدّة أثناء رحلة عودته من إسرائيل مساء الخميس، بالخطابات السياسيّة التي تدّعي أن فرنسا أصبحت دكتاتوريّة وتُعطي مبرّراً للعنف السياسي والاجتماعي. وأوضح أن "الديموقراطيّة هي نظام سياسي يتمّ في ظلّه اختيار القادة"، لافتاً إلى أنّه "في ظلّ ديموقراطيّة، لدينا واجب احترام تجاه أولئك الذين يُمثلون ويُصوّتون على هذه القوانين، لأنّ لدينا قدرة إبطالها".


MISS 3