جاد حداد

The Lying Life of Adults... رحلة متخبّطة نحو النضج

11 كانون الثاني 2023

02 : 01

يتمحور مسلسل The Lying Life of Adults (حياة البالغين الكاذبة) المؤلف من ستة أجزاء على شبكة "نتفلكس" والمقتبس من كتاب إيلينا فيرانتي حول رحلة فتاة فضولية. سرعان ما تتأثر عائلتها الكبيرة بالغموض المحيط بها. حين نتعرّف على "جوفانا" (جوردانا مارينغو)، تبدو مشابهة لأي مراهِقة برجوازية أخرى تتنقل في أنحاء نابولي، في بداية التسعينات. هي تنزعج من مظهرها المسترجل، لكنها تبقى في الوقت نفسه منشغلة بدورات الدراسة، والرحلات، والواجبات العائلية. سرعان ما تدرك حجم الصدع داخل عائلتها عندما تفهم سبب ابتعاد والدها الأكاديمي الصارم "أندريا" (أليساندرو بريزيوسي) عن شقيقته البروليتارية المتمردة "فيتوريا" (فاليريا غولينو).

كانت غولينو قد أمضت العقود التي تلت تجاربها السينمائية في هوليوود وهي تقدّم أعمالاً تُعرَض في معظمها خلال المهرجانات، لكنها تقتنص هذه الفرصة لتقديم شخصيتها بأعلى درجات البراعة والامتنان. تتسم شخصية "فيتوريا" بالشغف الذي تميزت به الممثلة آنا ماغناني خلال الخمسينات والستينات، فهي فظة لدرجة أن تصبح شرسة لكنها تميل في الوقت نفسه إلى استعمال صور مجازية لاذعة، فتقول مثلاً: "أنا أرتدي الحياة حول عنقي وكأنها ميدالية ذات وجهَين". يجمعها تناغم واضح مع مارينغو، الوافدة الجديدة التي تبحث عن ذاتها وتطرح نفسها كنسخة أكثر قوة من كريستين ستيوارت في بداياتها. هي تتميز بنظرة التحدي في عينيها، وراء شعرها الأشعث والمجعد، ولا تغفل عن إخفاقات الأوصياء عليها، وتنتابها مشاعر الغضب والألم والقلق العدائي.

في مرحلة معينة، تصبح "جوفانا" عالقة بين عالمَين: براءة فتاة المدرسة وإدراك هشاشة الراشدين من جهة، ونفاق الطبقة الوسطى والجماعات الهامشية التي تمثّلها "فيتوريا" في نابولي من جهة أخرى. يبرع منسّق المواقع رافاييل كورتيل في تجسيد العالمَين معاً، فيختار شققاً لافتة، ومشاريع بناء غير مرغوب فيها، وشوارع خلفية منسيّة، لكنه يسلّط الضوء أيضاً على أرصفة المدينة لإبراز آفاقها الحقيقية والمجازية. قد لا ينجح المخرج إدواردو دي أنجيليس في مضاهاة أجواء فيلم The Hand of God (يد الله) للمخرج باولو سورينتينو، وهو عبارة عن مذكرات سينمائية تدور أحداثها في نابولي أيضاً وعرضته "نتفلكس" حديثاً، لكن يجيد صانعو العمل رسم خريطة بصرية للخيارات المتاحة أمام بطلة القصة، وهي تعطي لمحة عن وجهتها النهائية.

لكن يفتقر المسلسل إلى زخم سردي متماسك. كان الكتاب الأصلي يشمل ملاحظات نقدية محترمة لكنه تضمّن أيضاً أفكاراً هامسة، ويشدد المسلسل على هذا الجانب. يرتكز العمل في معظمه على سرد القصص انطلاقاً من المناوشات اليومية التي تخوضها معظم العائلات، لكن لا تبلغ الأحداث ذروتها بالقوة المطلوبة. تطول مشاهد الحشو مثلاً، فيحاول المخرج بكل وضوح الاستفادة من رحلة بالسيارة في أنحاء البلدة، أو من خلاف على ملكية سوار لملء الحلقات. ومع تراجع التركيز على فحوى القصة، لا مفر من أن نلاحظ خيارات غريبة أخرى، أبرزها الموسيقى التصويرية التي تحمل توقيع الملحن إينزو أفيتابيل وتبدو أشبه بمقطع تجريبي قد لا يتماشى مع جميع المشاهد.

لكن سرعان ما يجد المسلسل مساره الصحيح ويبلغ مستوىً من النضج الدرامي. تتسم الحلقة ما قبل الأخيرة بأجواء مميزة وتتمحور حول عالم الحزب الشيوعي الذي يبدو بالياً اليوم، حتى أننا قد نشعر بأنه ينتمي إلى كوكب آخر. تختلف "جوفانا" و"فيتوريا" بسبب عالِم لاهوت غير ناضج (جيوفاني بوسيلي)، فتتخذ الكتابة في هذه المرحلة بُعداً أعمق من السابق، حتى أن جزءاً من الأفكار المعروضة يشبه إلى حدّ ما مسلسل Our Friends in the North (أصدقاؤنا في الشمال) الذي عرضته قناة "بي بي سي" لتقديم تاريخ اجتماعي متلفز عظيم عن آخر ثلاثين سنة.

فجأةً، يُركّز دي أنجيليس على نقاط الغموض الأساسية، فتبدو الشخصيات أكثر خبرة مما كانت عليه في البداية، أو توحي بأنها تنتمي إلى الحقبات الزمنية القديمة. حين تقول "جوفانا" لعالِم اللاهوت "لديّ ذاكرة قوية"، هي لا تريد بذلك التفاخر بهذه الميزة بل إنها تعترف بالظروف التي تُوجّه عقول الشباب سريعة التأثر لحبس الألم وتذكّره. كانت كاتبة القصة الأصلية فيرانتي تدرك على ما يبدو معنى العيش في تلك الحقبة، لكن تتّسم التجربة هذه المرة بشعور مألوف يرافق جميع أعمال "نتفلكس" التي تقتصر على حلقات محدودة تنعكس إيجاباً على محتوى المسلسل.