خليل كارفيلي

مشكلة تركيا ليست السويد بل الولايات المتحدة

1 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في القصر الرئاسي بأنقرة | تركيا ، 8 تشرين الثاني 2022

في 23 كانون الثاني هاجم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السويد التي قدمت طلباً للانضمام الى حلف الناتو قبل ان تعيق انقره مسارها، فقال إن هذا البلد يجب ألا يتوقع أي نوايا حسنة من تركيا طالما يمتنع عن "اظهار احترامه للمعتقدات الدينية الخاصة بالمسلمين والشعب التركي"، فيسمح بحرق القرآن و"خروج التنظيمات الارهابية عن السيطرة".

وفي 21 كانون الثاني، الغى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، زيارته لنظيره السويدي بال جونسون المقررة في 27 كانون الثاني، فقال إن تلك الزيارة أصبحت "بلا معنى" بعد تحرّكات السويد "القبيحة".


كان يشير بكلامه الى احداث حصلت في وقت سابق من كانون الثاني، حين شنق ناشطون يساريون من لجنة روجافا الكردية في السويد مجسّماً لأردوغان أمام دار البلدية في العاصمة السويدية ستوكهولم.

وفي 21 كانون الثاني، منحت السلطات السويدية ناشطاً يمينياً متطرّفاً الإذن لتنظيم احتجاج خارج السفارة التركية في ستوكهولم، حيث اقدم على حرق نسخة من القرآن.

وفي اليوم نفسه، نظّم ناشطون يساريون احتجاجاً ضد تركيا ومساعي السويد للانضمام الى الناتو وعبّروا عن دعمهم لـ"حزب العمال الكردستاني" المحظور في تركيا. 

يصنّف الاتحاد الأوروبي ودول مثل الولايات المتحدة والسويد "حزب العمال الكردستاني" كتنظيم إرهابي. لكن شكّلت السويد ملاذاً آمناً لهذه الجماعة، وحصلت قضيتها على دعم كبار السياسيين السويديين. شارك بيتر هولتكفيست، قبل أن يصبح وزير الدفاع السويدي، في احتفال بذكرى نشوء "حزب العمال الكردستاني" في العام 2011.

للانضمام إلى الناتو، تعهدت السويد بقطع علاقاتها مع الجماعات الشائكة وتعديل قوانينها لتجريد نشاطات "حزب العمال الكردستاني" من شرعيتها على الأراضي السويدية. من الواضح أن الحكومة السويدية المحافِظة الجديدة تتوق إلى كسب ثقة تركيا، فقد أبعدت نفسها علناً عن "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردستاني وجناحه العسكري المعروف باسم "وحدات حماية الشعب". كذلك، استنكر رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، شنق مجسّم أردوغان واعتبره "عملاً تخريبياً" لإعاقة مساعي السويد للانضمام إلى الناتو. حتى أنه اعتبر حرق القرآن عملاً غير قانوني و"عديم الاحترام".

لكن يوضح تصريح أردوغان أن أي حكومة تركية لن تطلب من البرلمان التركي المصادقة على انضمام السويد إلى الناتو طالما تنتشر المشاعر المعادية لتركيا والمسلمين في السويد. كانت الحكومة السويدية قد نفذت وعودها تجاه تركيا في الاتفاق الثلاثي الذي وقّعت عليه السويد وفنلندا وتركيا خلال قمة الناتو في مدريد، في شهر حزيران الماضي، لكنها تحتاج الآن إلى إقناع الرأي العام السويدي بأن تلبية مطالب تركيا لا تعني الاستسلام "للفاشية"، ويُفترض أن تكبح أيضاً توسّع الآراء المعادية لتركيا.

لكن لن تكون هذه المهمة سهلة لأن دولاً غربية أخرى، لا سيما الولايات المتحدة، لا تزال ملتزمة بدعم الجماعات الكردية المسلّحة التي قطعت السويد علاقتها معها. من وجهة نظر تركيا، يُضعِف استمرار الدعم الأميركي لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب" الفكرة القائلة إن السويد، من خلال تلبية مطالب تركيا، تنضم إلى ديمقراطيات غربية أخرى لتشكيل جبهة موحدة ضد الإرهاب.

تُسلّح الولايات المتحدة الأكراد المرتبطين بـ"حزب العمال الكردستاني" في سوريا وتُموّلهم لأنهم ينتمون إلى الجماعة التي حاربت "داعش". قد يكون نجاحهم ضد هذا التنظيم، حين امتنعت تركيا عن بذل الجهود اللازمة لمحاربة الجماعة الإرهابية، جزءاً من الأسباب التي دفعت الحكومة الأميركية إلى الاتكال عليهم. لكنّ المسألة التي تعتبرها الولايات المتحدة على صلة بأمنها القومي تطرح تهديداً وجودياً على تركيا. كان نشوء دويلة كردية على طول حدودها مع سوريا كفيلاً بإنذار البيروقراطية الأمنية في أنقرة حول احتمال أن تخسر تركيا سيطرتها على الإقليم الكردي فيها. كذلك، أضعف الدعم الأميركي للدويلة الكردية ثقة تركيا بالولايات المتحدة التي تحوّلت، برأي شريحة واسعة من الأتراك، إلى قوة عدائية.

في الوقت نفسه، بدأت الديمقراطية تتعثر في تركيا. في العام 2015، ألغى أردوغان اتفاق السلام الذي توصّلت إليه الحكومة التركية مع الحركة الكردية بعد سنتين من المفاوضات. وعلى وقع التهديدات التي يطرحها "حزب العمال الكردستاني" الذي زاد قوة بدعمٍ من الولايات المتحدة في سوريا، قرر أردوغان تبنّي سياسات متشددة كان الجيش يدعو إلى تطبيقها، وهي تتماشى مع توجهات القوميين في معسكر اليمين المتطرف.

تؤكد واشنطن من جهتها على أهمية الحفاظ على تحالفها مع الجماعات الكردية في سوريا. هذا التحالف يمنح الجيش الأميركي موطئ قدم في سوريا أو قاعدة أمامية قد تفيد البلد في أي صراع مستقبلي مع إيران. لهذا السبب، من المستبعد أن تغيّر الولايات المتحدة موقفها لإرضاء تركيا.

قد تفترض إدارة بايدن أن تركيا ستعدّل موقفها حين تبيعها الطائرات المقاتلــة "ف - 16" التي أصبح البلد بأمسّ الحاجة إليها للحفاظ على قوته الجوية. تُقابَل هذه الصفقة برفض قوي في الكونغرس الأميركي، لكنّ تنفيذها قد ينقذ العلاقات الأميركية التركية من الانهيار في أفضل الأحوال. لكن لن يكون السماح بشراء طائرات "ف-16"، التي ستصبح بالية قريباً، تدبيراً كافياً للتعويض عن طرد تركيا من مشروع الطائرات القتالية "ف-35" بعد إقدامها على شراء النظام الصاروخي الروسي "إس - 400".

في غضون ذلك، قد تناقش إدارة بايدن احتمال أن تمارس الضغوط على تركيا أو تستميلها لإقناعها بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو بعد الانتخابات الرئاسية التركية في شهر أيار. قد تأمل واشنطن مثلاً في أن يرضخ أردوغان، في حال إعادة انتخابه، لأنه لن يعود بحاجة إلى الظهور بصورة الزعيم القوي في وجه الولايات المتحدة لتحقيق غاياته الانتخابية. وإذا خسر في الانتخابات، قد يتوق الرئيس التركي الجديد إلى إعادة إحياء العلاقات مع واشنطن وتحقيق الرغبات الأميركية.

لكن تبقى هذه الفرضية تفاؤلية أكثر من اللزوم. يخطئ من يستخف بتصميم تركيا على استغلال هذه الفرصة لإبطال ما تعتبره تهديداً محورياً على أمنها القومي، في إشارة إلى "حزب العمال الكردستاني" والجماعات الكردية المرتبطة به. كذلك، يخطئ من لا يدرك أن الموقف التركي يعكس المصالح الاستراتيجية للدولة التركية على المدى الطويل. هذه الرؤية الواسعة وغير المسيّسة لا ترتبط بالمسائل الانتخابية، ما يعني أنها لن تتأثر، بطريقة أو بأخرى، بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أو ربما تقرر الولايات المتحدة التلاعب بتركيا من خلال التلويح باحتمال تغيير السياسة الأميركية تجاه أكراد سوريا، مع أنها لا تنوي تنفيذ هذا الوعد على أرض الواقع. نجحت هذه المقاربة في العام 1980، حين تمكنت الولايات المتحدة من إقناع تركيا بتقبّل عودة اليونان إلى البنية العسكرية المتكاملة لحلف الناتو (بعـــد انسحابها في العام 1974) بشكلٍ غير مشروط. في تلك الفترة، وَعَد القائد الأعلى للحلفاء في الناتو، الجنرال الأميركي بيرنارد روجرز، رئيس المجلس العسكري التركي، الجنرال أحمد كينان إيفرين، بأخذ المخاوف العسكرية التركية في بحر إيجة بعين الاعتبار، لكن سرعان ما تجاهلت الحكومة الاشتراكية التي وصلت إلى السلطة في اليونان، في العام 1981، ذلك الوعد ورفضت الالتزام بالاتفاق. طمأن أردوغان ناخبيه إلى امتناع تركيا عن تكرار ذلك الخطأ.



ستتابع تركيا الاعتراض على عضوية السويد طالما لا يعالج البلد مخاوفها الأساسية (لا يزال انتساب فنلندا عالقاً في الوقت الراهن لأن تقديم طلب الانضمام حصل بطريقة مشتركة بين البلدين). في الوقت نفسه، سيتابع الناشطون اليساريون الموالون للأكراد واليمينيون المعادون للمسلمين في السويد التصرف بطريقة تمنح تركيا الأعذار التي تبرر موقفها. لكن يبقى استياء أردوغان من هذه الحوادث مجرّد عرض جانبي. لضمان انضمام السويد إلى حلف الناتو، يجب أن توقف الولايات المتحدة تمويل "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب" في سوريا بكل بساطة.



من سوء حظ واشنطن، لا يمكن التوفيق بين المصالح الاستراتيجية الأميركية في شمال أوروبا والشرق الأوسط. ستضطر الولايات المتحدة لتحديد أولوياتها إذاً: صمود الدويلة الكردية المرتبطة بـ"حزب العمال الكردستاني" في سوريا، أو تقوية حلف الناتو من خلال ضم السويد إليه. يجب أن تعترف إدارة بايدن بأن رفض واشنطن مراعاة المصالح الأمنية التركية المشروعة هو الذي يهدد وحدة الناتو ويُضعِف قوته.



لكن يُفترض أن تعترف الحكومة التركية في المقابل بأن الولايات المتحدة تواجه تهديداً استراتيجياً خاصاً بها وتتصرف على هذا الأساس. لتشجيع واشنطن على إعادة النظر بدعمها لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب"، يجب أن تثبت تركيا استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة للتصدي للتهديدات الإيرانية.



لكن لا تزال السياسة الأميركية تجاه تركيا تتأثر للأسف بمشاعر الكراهية الشخصية ضد رئيسها، ما يجعل أي تسوية من هذا النوع بعيدة المنال. مع ذلك، تبقى المصالح الاستراتيجية الصعبة التي تسعى إليها الولايات المتحدة وتركيا متناغمة أكثر مما توحي به الظروف. يجب أن يتم التعامل مع تركيا كحليفة حقيقية للغرب إذا أراد الناتو الحفاظ عى قوته ووحدته، من البلطيق إلى البحر الأسود.


MISS 3