وجّه رسائل إلى الأميركيين والعالم

ترامب يتحدّث بلغة "المنتصر" عن "العودة الكبرى" لبلاده

10 : 14

قامت بيلوسي على نحو متعمّد بتمزيق نسختها من خطاب ترامب (أ ف ب)

قبل تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسيّة، وخلال خطابه الثالث حول "حال الاتّحاد" الذي ألقاه بحماس المنتصر وسط استقطاب كان في أبهى حلله، شدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنّه "وفى" بوعوده التي كان قد قطعها خلال حملته الانتخابيّة السابقة، لكنّه لم يتطرّق إلى محاكمته عشيّة تبرئته أمام مجلس الشيوخ.

وحتّى قبل بدء إلقاء خطاب "حال الاتّحاد" التقليدي، كان الانقسام العمودي الذي يسود الطبقة السياسيّة في البلاد واضحاً، إذ تجنّب ترامب مصافحة رئيسة مجلس النوّاب الديموقراطيّة نانسي بيلوسي، التي قامت بدورها بتمزيق خطاب الرئيس الجمهوري ما إن انتهى من إلقائه.

واستقبلت صيحات: "أربع سنوات أخرى! أربع سنوات أخرى"، الرئيس لدى دخوله المجلس، وبعد أن مشى ببطء في الممرّ وسط القاعة فيما ربّت على ظهره نوّاب جمهوريّون، سرّع خطاه نحو المنصّة، حيث قال في خطابه: "بخلاف كثيرين آخرين قبلي، أنا أُحافظ على وعودي"، في وقتٍ علا تصفيق الجمهوريّين، بينما لم يُبدِ أيّ تأثّر على المعارضة الديموقراطيّة. وفي القاعة نفسها حيث تمّ اتهامه بـ"استغلال السلطة" و"عرقلة عمل الكونغرس"، شدّد ترامب في خطابه على "العودة الكبرى لأميركا"، وعلى "النجاح الاقتصادي الكبير" لبلاد "العم سام".

ودافع ترامب عن سياسة إدارته الخارجيّة، ولم يغب الإرهاب عن خطابه، إذ أكد أن إدارته "تُدافع بقوّة عن أمننا القومي وتُحارب الإرهاب الإسلامي المتشدّد". وعن تنظيم "داعش" ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي بعمليّة نوعيّة اعتُبرت انتقاماً لشابة أميركيّة تُدعى كايلا مولر، كان البغدادي قد أسرها سابقاً، ثمّ قتلها، قال ترامب: "دولة خلافة "داعش" دُمّرت بنسبة مئة في المئة... والقاتل المتعطّش للدماء المعروف بالبغدادي مات!"، لافتاً إلى أن القوّات الخاصة التي قتلت البغدادي أطلقت على مهمّتها اسم 8/14، إشارةً إلى يوم ميلاد كايلا.

كما تطرّق ترامب إلى الجندي الأميركي كريستوفر هيك، الذي قُتِلَ في العراق، وكان ابنه وزوجته حاضرَيْن خلال الخطاب. وقال الرئيس الجمهوري: "الإرهابي المسؤول عن قتل هيك كان قاسم سليماني... كان جزّار النظام الإيراني المسؤول عن قتل آلاف الأميركيين.. نَظَّم عمليّات قتل الآلاف وقام بتنظيم الهجوم في كانون الأوّل.. وبناءً على توجيهاتي، قام الجيش بتوجيه ضربة دقيقة لسليماني وأنهت حُكمه الشرير إلى الأبد"، مشدّداً على أن "رسالتنا إلى الإرهابيين واضحة... لن تهربوا أبداً من العدالة الأميركيّة، إذا هاجمتم مواطنينا فأنتم تعرّضون حياتكم للخطر". كذلك تطرّق إلى خطّة السلام الأميركيّة في الشرق الأوسط، معتبراً أنّه "يجب العمل على مستقبل المنطقة، ومنح الملايين مستقبلاً أفضل".

وذكر أيضاً اقتصاد إيران المتداعي، قائلاً: "يُمكن أن نُساعدهم على تحقيق انتعاش سريع، ربّما هم فخورون أكثر من اللازم أو أغبياء لم يطلبوا المساعدة"، فيما ألمح إلى وضع حدّ للتواجد الأميركي في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّه يعمل "على إنهاء الحروب الأميركيّة في الشرق الأوسط وأفغانستان". وأضاف: "نحن نعمل كي نُنهي أطول حروب أميركا أخيراً، وأن نُعيد قوّاتنا إلى بلادنا".

وبخصوص القضيّة الفنزويليّة المتأزّمة، أعرب الرئيس الأميركي في خطابه عن دعمِه للمعارض الفنزويلي خوان غوايدو، الذي تعترف به الولايات المتحدة وأكثر من خمسين دولة رئيساً موَقّتاً لفنزويلا. وبحضور غوايدو، الذي سيلتقي ترامب في البيت الأبيض لاحقاً، قال الرئيس الجمهوري أمام الكونغرس الأميركي إن طغيان الرئيس الفنزويلي الاشتراكي المُشكّك في شرعيّته نيكولاس مادورو "سيتمّ تحطيمه". واعتبر أن "مادورو زعيم غير شرعي، طاغية يُعامل شعبه بوحشيّة"، مشدّداً على أن "قبضة مادورو سيتمّ تحطيمها وتدميرها".

وحول قيادة الولايات المتحدة على الساحة الدوليّة، لفت ترامب إلى أن واشنطن في عهده باتت "تنتعش وتحظى بالاحترام من جديد"، مشيراً إلى أن "أعداء أميركا باتوا يهربون وحظوظ أميركا تزداد ومستقبلها مشرق جدّاً". وتابع أن "أيّام استغلال بلادنا واحتقارها من جانب دول أخرى قد انتهت وباتت من الماضي".

وفي الملف الإقتصادي، تحدّث ترامب عن النمو المتصاعد وحال الوظائف وتقلّص البطالة إلى مستويات قياسيّة لدى فئات عدّة من مكوّنات الشعب الأميركي في عهده، خصوصاً المتحدّرين من أصول أفريقيّة ولاتينيّة وآسيويّة، وقال: "انتهت الوعود الفارغة وانعدام الوظائف والأعذار لاستنزاف ثروة أميركا وقوّتها وهيبتها"، مضيفاً: "خلال ثلاثة أعوام قصيرة، قمنا بتحطيم عقليّة الانحدار الأميركي ورفضنا تقليص مستقبل ومصير أميركا". ورأى أن "اقتصادنا في أفضل وضع، وجيشنا أُعيد بناؤه بشكل كامل وقوّته لا تُضاهيها أي قوّة حول العالم"، ليُردف: "أقول لشعب بلادنا العظيم ولأعضاء الكونغرس: حال اتحادنا أقوى من أي وقت مضى".

ودعا ترامب الكونغرس إلى اعتماد تشريعات خاصة بالتعليم، وطالب بمواجهة تكاليف العلاج الطبي، وقال: "المرضى الأميركيّون لا يجب أن تُثقل كاهلهم الفواتير، لذا وقّعت على أمر يتطلّب شفافيّة الأسعار".

وفي شأن الجدار الحدودي مع المكسيك، كشف أنّه حتّى الآن "استكملنا أكثر من مئة ميل، وفي العام المقبل سيكون هناك أكثر من 500 ميل قد استُكملت"، في حين أشار إلى الحفاظ على سلامة أميركا، "وهذا يعني دعم الرجال والنساء في جهات إنفاذ القانون، الذين اعتقلوا العام الماضي أكثر من 120 ألف من اللاجئين غير الشرعيين". ولفت ترامب إلى البنية التحتيّة في المناطق الأميركيّة المختلفة، معتبراً أنّه "علينا أن نبني البنى التحتيّة الأميركيّة". كما تطرّق إلى ملفات متعدّدة ومتنوّعة، بينها الحرّيات الدينيّة والتعديل الثاني للدستور وتجارة البشر والمخدّرات والبيئة والفضاء وغيرها.

وفيما كان الرئيس الأميركي يُلقي خطابه التاريخي، كان نصف الحاضرين يهتفون تأييداً له بينما كان النصف الثاني جالساً في تجهّم وصمت تخلّلته أحياناً صيحات الاستهجان والهمسات المتقطّعة، إلى أن قامت زعيمتهم بيلوسي في النهاية بتمزيق نصّ خطاب الرئيس، في خطوة وصفها مراقبون بأنّها تنمّ عن حقد شخصيّ تجاه ترامب.

وعلى غرار أسلوب "تلفزيون الواقع"، حيّا ترامب مقدّم البرامج الإذاعيّة الشهير راش ليمبو، الذي كشف أخيراً إصابته بسرطان الرئة في مراحل متقدّمة، وطلب من زوجته ميلانيا منحه "وسام الحرّية"، أرفع وسام مدني في الولايات المتحدة. وذهب ترامب إلى حدّ تخصيص امرأة في الحضور في خطابه، وقال لها إن زوجها الذي يخدم في الجيش في الخارج ولم يأتِ منذ أشهر لديه "مفاجأة مميّزة جدّاً"، وما لبث أن أطلّ الزوج ببزّته العسكريّة لينزل الأدراج وينضمّ إلى أفراد أسرته في لقاء دامع، أمام كاميرات التلفزيون الوطني في ساعة الذروة.

ولم يُعلّق ترامب شخصيّاً على تصرّف بيلوسي، إلّا أنّه فعل ذلك بطريقة غير مباشرة، عبر إعادة تغريد تعليقات استخدم فيها المغرّدون "هاشتاغ": "نوبة غضب بيلوسي" و"بيلوسي التافهة". وبدأ ترامب سلسلة تغريداته بالإشادة بخطابه، وكتب: "كانت أمسية رائعة ومنتصرة لبلدنا. شكراً لكم على كلّ الملاحظات اللطيفة والمراجعات الرائعة لخطاب حال الاتحاد. كان شرفاً كبيراً لي أن أفعل ذلك"، بينما علّقت بيلوسي على سبب تمزيقها نُسخاً من خطاب ترامب، إذ بعد خروجها من القاعة قالت: "كان هذا الشيء المهذّب الذي يجب القيام به مقارنةً مع أشياء أخرى"، مضيفةً: "لقد كان خطاباً قذراً".


MISS 3