سرطان الثدي هو المرض السرطانيّ الأكثر شيوعاً في العالم، ويتوقع باحثون من "الوكالة الدولية لبحوث السرطان" أن تزيد الحالات بمعدّل 3 ملايين بحلول العام 2040. هم يذكرون أيضاً أن حالة واحدة من كل ثمانية تشخيصات سرطانية ترتبط بسرطان الثدي، وقد سُجّلت 2.3 مليون إصابة عالمياً في العام 2020.
لا يستطيع الناس تغيير بعض عوامل الخطر، مثل القابلية الوراثية، لكن قد يسهم تعديل أسلوب الحياة في تخفيض خطر الإصابة بسرطان الثدي، لا سيّما تكثيف الحركة الجسدية، والحفاظ على وزن صحّي، والحدّ من استهلاك الكحول، والامتناع عن التدخين.
يكشف بحث جديد نشرته مجلة "جاما" أن شريحة واسعة من النساء لا تعرف عوامل الخطر المُسبّبة لسرطان الثدي أو تستخفّ بأهميّتها، لا سيّما كثافة أنسجة الثدي. كذلك، يظنّ ثلث المشارِكات في الاستطلاعات أن المرأة لا تستطيع اتّخاذ أي تدابير فاعلة لتخفيض خطر إصابتها بالمرض.
ما معنى كثافة أنسجة الثدي؟
كانت المشارِكات في الدراسة بمعظمهنّ يعرفن أن إصابة قريبة من الدرجة الأولى بسرطان الثدي تزيد خطر إصابتهنّ بالمرض، لكن لم يعرف عدد كبير منهنّ أن كثافة أنسجة الثدي جزء من عوامل الخطر المحتملة.
قد يزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي بمعدل يتراوح بين 1.2 و4 مرات بسبب ارتفاع كثافة أنسجة الثدي، علماً أن العامل الوراثي يزيد المخاطر بنسبة الضعف.
لم يتفاجأ الدكتور عارف كمال، كبير المسؤولين عن المرضى في "جمعية السرطان الأميركية"، بهذا الاستنتاج وقد علّق على النتائج قائلاً: "لم نستعمل مصطلح "كثافة أنسجة الثدي" منذ وقت طويل، ولا أتذكر أننا كنا نتكلم مع النساء عن هذه الكثافة باعتبارها جزءاً من عوامل الخطر قبل عقد من الزمن. بدأنا نفهم هذا العامل منذ فترة قصيرة نسبياً".
يحتوي الثدي الأكثر كثافة على أنسجة غدّية وليفية بنسبة تفوق الأنسجة الدهنية. يكون الثدي أكثر كثافة لدى نصف النساء تقريباً، لا سيما النساء الأصغر سناً أو من يسجّلن مستوى أقلّ من كتلة الجسم بشكل عام.
يوضح كمال مكوّنات الثدي وموقع نشوء الخلايا السرطانية فيه قائلاً: "يتألف نسيج الثدي من عاملَين بكل بساطة: النسيج الغدّي، أي الغدّة التي تُصنّع الحليب وتحتفظ به وتفرزه، والنسيج الدهني في محيطه. النسيج الغدّي هو الجزء المعرّض للتحوّل إلى سرطان لدى امرأة واحدة من كل ثمانٍ. بعبارة أخرى، قد تتحوّل آلة إنتاج الحليب إلى سرطان، على عكس الجزء الدهني، إلا في بعض الحالات النادرة. حين نتكلم على كثافة أنسجة الثدي، نعني بذلك نسبة النسيج الغدّي الذي ينتج الحليب مقارنةً بالنسيج الدهني".
مقارنة بين عوامل الخطر المُسبّبة للسرطان
أجرت الدراسة الجديدة استطلاعات مع نساء تتراوح أعمارهنّ بين 40 و76 عاماً، ولم يُصَبْن يوماً بسرطان الثدي، وخضعن حديثاً لتصوير الثدي الشعاعي. شاركت 1858 امرأة في البحث. طُلِب منهنّ مقارنة خمسة عوامل خطر مختلفة على صلة بكثافة أنسجة الثدي:
• إصابة قريبة من الدرجة الأولى بسرطان الثدي.
• البدانة أو الوزن الزائد.
• استهلاك أكثر من مشروب كحولي واحد يومياً.
• عدم الإنجاب.
• الخضوع لفحص خزعة الثدي سابقاً.
تبيّن أن 93% من المشارِكات اعتبرن إصابة قريبة من الدرجة الأولى بسرطان الثدي سبباً لزيادة نسبة الخطر أكثر من كثافة أنسجة الثدي.
أجرى الباحثون لاحقاً مقابلات مع النساء لمعرفة معلوماتهنّ عن ارتباط كثافة أنسجة الثدي بمختلف عوامل الخطر وما تعرفه كل امرأة عن سبل تخفيف خطر الإصابة بسرطان الثدي. لم يذكر عدد كبير منهنّ كثافة أنسجة الثدي كعامل خطر مُسبّب للسرطان.
الرابط بين كثافة أنسجة الثدي ومخاطر السرطان
تقول كلير نايت، مديرة قسم المعلومات الصحية في "منظمة بحوث السرطان البريطانية": يزيد خطر الإصابة بالسرطان مع ارتفاع كثافة أنسجة الثدي، لكن لا يمكننا التحقق من هذا العامل أو تغييره بأنفسنا". بعبارة أخرى، لا يمكن تقييم التغيّرات الحاصلة في كثافة أنسجة الثدي على مرّ حياة المرأة عن طريق الفحص الذاتي.
في المقابل، يوضح كمال: "قد تشعر المرأة بمناطق الكثافة في نهاية المطاف، لكن تتقلّب تلك المناطق في معظم الأحيان لأنها تشير إلى مجرّد تغيّرات دورية في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث. قد يظهر كيس أو كتل أخرى، لذا نلجأ إلى المراقبة الإشعاعية. لا بدّ من تقييم كثافة أنسجة الثدي إذاً عبر تصوير الثدي الشعاعي. لكن لا يكون ارتفاع هذه الكثافة وحده سبباً كافياً لإجراء فحوصات أخرى بشكل عام. إذا كانت كثافة أنسجة الثدي عامل الخطر الوحيد، فستبقى المرأة في فئة الأقل عرضة للسرطان. لكن إذا برزت عوامل أخرى في الوقت نفسه، قد تزيد نسبة الخطر. تتعدّد المقاربات المحتملة لفحص كثافة أنسجة الثدي. في عمر الخامسة والثلاثين، قد تخضع المرأة لتصوير الثدي الشعاعي لقياس كثافة الأنسجة. هي تقوم في هذه الحالة بتقييم فردي للمخاطر. إذا كانت كثافة أنسجة الثدي مرتفعة لديك في عمر الخامسة والثلاثين وكنتِ تحملين تاريخاً عائلياً قوياً بالمرض، فقد تتعاملين مع الوضع بطريقة مختلفة. لهذا السبب، تبقى هذه المسألة من المجالات البحثية المهمة حتى الآن".