منى فياض

بالطبع سيتنكّر مار مارون لبعض موارنته الجدد

11 شباط 2020

02 : 00

لولا خطبة عبد الساتر لتحوّل عيد مار مارون إلى وصمة عار

في مطلع العام 2015 وبمناسبة عيد مار مارون كتبت مقالاً نشر في "النهار" تحت عنوان: "كيف تركتَ موارنتكَ يذهبون بنا وبكَ هذه المذاهب؟".

نعيت فيه لبنان سعيد عقل الذي يذوي، ولبنان فيروز والرحابنة الذين جعلونا نحب لبنان "المارونية السياسية"، رغم اعتراضاتنا حينها على أدائها وتجاهلها لمطالب الحركة الوطنية.

تحسرت على لبنان الهيمنة المارونية الذي عبّر عنه جنون سعيد عقل، وصوت فيروز، وكلمات عاصي ومنصور وألحانهما. لبنان الجبل هذا، الذي من كثرة ما تماهينا معه ومع اللهجة، التي عمّمها الرحابنة فجعلونا نتبناها من دون وعي، كادت تُنسينا لهجاتنا المحلية التي لم تعلن عن حقها بالحياة الا بسبب الحروب الاهلية المتناسلة...

كان لبنان هذا، قد بدأ سيرورة التلاشي التي تستكمل الآن. كنا في مطلع معادلات جديدة ستسرع التدهور والانهيار الذي وصلنا اليه.

كتبت أنه من حسن حظ سعيد عقل، شاعر لبنان المأخوذ بفكرة "لبناننا الأزلي"، أنه غاب قبل أن يرى حلم لبنانه، موطن الحضارات ومبعث النور والابجدية التي غيرت العالم، ليس في الشرق فقط بل في العالم كله، يغيب.

سيتنكر مار مارون لهؤلاء عندما يُسأل: كيف تركتَ موارنتكَ يذهبون بنا وبكَ هذه المذاهب؟!نحن الى لبنانهم الذي تخلوا عنه، بعد ان ابتدعوه وتفاخروا كثيراً بدورهم في خلقه وفي تكوينه نموذجاً للانفتاح والتعدد والديموقراطية والتعايش. والآن صرنا نفتقده؛ نموذجاً جعل منه البابا بولس الثاني "لبنان الرسالة".

إعترض عليّ صحافي، من بطانة العهد، عندما اشرت في محاضرة لي في الكسليك، الى ان ما لدينا الآن "بقايا" مارونية سياسية. إعترض لأن في ظنه انها الآن في أوج عزها وقوتها في ظل الرئيس القوي!! غافلاً عن تدهور أحوال الدولة ومؤسساتها التي تفاقمت معهم.

لطالما شكا المسيحيون منذ الاستقلال في العام 1943، من عدم نقاء إخلاص شركائهم المسلمين للبنان، وها هم المسلمون يتلبّسون شكواهم نفسها. إن بعض مَن يعتبرون أنفسهم "زعماء موارنة" يتلاعبون بمصير لبنان، بذريعة الحفاظ على المسيحيين وعلى مقام رئاسة الجمهورية!

عبّر الرحابنة عن مسيحيي لبنان الأمس الذين لا يجمعهم، على ما يبدو مع بعض مسيحيي الحكم اليوم وموارنته، جامع. هناك تناقض تامّ، بين أداء أسلافهم وأدائهم، بين رؤيوية أولئك وانفتاحهم، وانغلاق هؤلاء وقصر نظرهم. بين مَن ضحّى كثيراً من أجل سيادة لبنان واستشهد من أجله، وبين مَن يضحّي بلبنان ويساهم في تفكيكه من أجل مصلحته الذاتية!لم تصمد طويلاً أنشودة مسيحيي لبنان وفي الأخص موارنته، بالكيان وبلد الارز والنور والحرية وبلبنان التاريخ والفينيقي والفينيق الذي ينبعث مراراً وتكراراً من رماده.

جعلوا من لبنان مستعمرة إيرانية بعدما كان نداً لها.

لبنان الذي صمد أمام التهديدات المتنامية للنموذج التعددي الذي يمكنه أن يشكل نموذجاً عالمياً للتعايش في أزمنة الحروب والعصبيات الدينية والعرقية والمذهبية، يُترَك لقدره ويتحول لقمة سائغة في يد بعض العجم.

وبغض النظر عن مسؤولية الطبقة السياسية التي تدفن رأسها في الرمال أمام الاستحقاقات المصيرية الثقيلة المرمية أمام التاريخ، الذي يسجل بهدوء جهلها به وعماها واعتقادها انها محمية من مصير جميع المستبدين.

وأمام انكماشها وخوفها وتمترسها خلف الجدران الاسمنتية والاسلاك الشائكة عليها أن تعلم أن كل هذا لن يشكل لها أي حماية.

لكن قبل كل ذلك، هناك مسؤولية محددة تقع على الموارنة المتقاعسين المشتتين والمذهولين، عن أن تدهور وضعهم في لبنان والعالم العربي ليس سوى مؤشر لاختفائهم من خريطة المنطقة والعالم. وإذا استمروا على هذا المنوال لن يبقى منهم سوى فولكلورهم الذي سنتغنى به في ليالي العتمة المقبلة.

لكن لا يمكن تحميل طائفة وحدها هذه المسؤولية. هذا موقف شمولي وتوتاليتاري ومستبد. هناك في النهاية أشخاص محددون تقع عليهم مسؤولية محددة وهم يتحملونها بوضوح وعلى الملأ. علينا نحن المواطنين الخائفين على وطننا أن نسمّيهم من دون وجل أو خجل من أيّ اتهام قد يُوجَّه إلينا.

تقع مسؤولية تاريخية جسيمة، على رئاسة الجمهورية أولاً، وعلى الرئاسات الثانية والثالثة وعلى الحزب الالهي. لحسن الحظ أن جاءت الثورة لإعادة الامور الى نصابها.

ولولا عظة راعي أبرشية بيروت الماروني المطران بولس عبد الساتر في قداس عيد مار مارون الذي قال فيها: "ما قيمة الانسان إن كانت حياته عقيمة والذي يأتي ويروح ولا يأتي ثمراً ولا يترك أثراً له سوى ذكر سيئ، ومارون جاء ليعيش بهذا النهج". وتوجّه إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، قائلاً: "لأجلكم نصلي في صباح هذا العيد، حتى يكون ذكركم طيباً وحياتكم مثمرة. أيها السياسيون إننا ائتمناكم على أرواحنا ومستقبلنا، تذكروا أن السلطة خدمة، نريد أن نحيا حياة إنسانية كريمة وقد تعبنا من المماحكات العقيمة، نحن قلقون على مستقبل أولادنا لذا نريد مبادرات تبث الامل وخطابات تجمع وافعالاً تبني، نريدكم قادة مسؤولين". متوجهاً الى السياسيين: "الناس متل المي وما حدا بيقدر يحبسها".

لولا خطبته تلك لتحول عيد مار مارون اليوم الى وصمة عار على ما كتب صديقي عقل عويط في "النهار".


MISS 3