مجيد مطر

لقاء باريس الخماسي: ماذا عن المبادرة العربية؟

11 شباط 2023

02 : 00

لا يمكنُ لأحدٍ، كائناً من كان، أن يوجّهَ «اللقاء الخماسي» في باريس، والذي جمع إلى الفرنسيين، ممثلين عن السّعودية ومصر وقطر والولايات المتحدة، باتجاه الحلول الممكنة لإخراج لبنان من أزمته المتمادية، من دون العودة إلى المبادرة العربية التي حملها الوزير الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح العام الماضي، موفداً من الدول الخليجية، وتضمنت مجموعة نقاطٍ، جاءت على شكل مطالب، رفض الوزير نفسه حينها، أدباً، وضعَها في مصاف الضغوط السّياسية على الدولة اللبنانية.

فأين أصبحت تلك المبادرة؟ وماذا فعل الجانب اللبناني حيالها، لإعطاء الانبطاع بأنّ الدولة اللبنانية مهتمة بإعادة علاقاتها العربية إلى ما كانت عليه، على الاقل قبل اغتيال الشهيد رفيق الحريري؟

في منطق الأشياء البسيط، كلُّ اتفاقٍ، أو أيُّ تعاملٍ بين طرفين أو أكثر بمختلف الشؤون، بحاجة لعنصر الثقة، وأحد أهم أهداف تلك المبادرة العربية، إعادة الثقة بقدرة لبنان على إدارة شؤونه بما يتناسبُ مع سيادته، وانتمائه العربي، من خلال التزامه تطبيق تلك البنود التي شملت مطالب إصلاحية تخصُّ اللبنانيين قبل غيرهم، ومطالب تتضمن تنفيذ القرارت الدولية التي تعني المجتمع الدولي، ومطالب تتعلق بالتزام الوعود بوقف الحملات السياسية على دول الخليج والتي تعني العرب، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، الذي أسس لمبادرته تجاه لبنان انطلاقاً من أمنه القومي، وأمن منطقة الخليج العربي.

ومن باب الموضوعية، كلُّ من يضع نفسه مكان هذه الدول، سيتلمس خطورة أن تُعلَنَ العاصمة اللبنانية من ضمن عواصم ذلك المشروع التوسعي على حساب العرب وأمنهم واستقرارهم. وهذا ما يُعرف وفق نظريات «الأمننة» بوعي التهديد الخارجي وتحديد مكامنه.

من نافل القول إنّ للمبادرة العربية ثلاثة أبعاد: بعدٌ لبناني، بعدٌ عربي، وبعدُ دولي. وهذه الأبعاد نفسها قام عليها اللقاء الباريسي الذي لن يستطيع أن يتجاوز ما جاء في تلك المبادرة. فالمطلوب من لبنان أمرٌ واحد: التعامل مع المبادرة العربية بجدية، حتى تبدو نتائج «اللقاء الخماسي» مثمرة اذا كان هنالك من نتائج. لذا على لبنان اعطاء الأجوبة الواضحة، ربطاً بتلك الأبعاد.

وانطلاقاً من هذا المقام، يمكن واقعياً تحليل الموقف السّعودي، الذي يبدو الأكثر تماسكاً في فهمه للواقع اللبناني المأزوم، فهو يملك المعطيات حول خلل التوازنات السياسية لصالح «حزب الله» في لبنان، الذي يصنّفُ بدوره المبادرة في خانة المحاولات العربية والدولية لتغيير موقع لبنان الممانع! ومن المسلمات أن لا تنخرط القيادة السعودية بأي عمل من دون اعادة صياغة تلك التوزانات على نحو يتطابق مع فحوى المبادرة العربية. ومن الواضح عند السعوديين، أنّ هذا هو المسار الدبلوماسي الوحيد الذي قد يوصل إلى أرضية مشتركة، إن في لقاء باريس أو غيره من اللقاءات.

فالقيادة السعودية تمتلك رؤيتها الواقعية، ومع إدراكها سلفاً للنتائج، هي تقبل دوماً المشاركة بحسن نية في الجهود تجاه مساعدة لبنان للخروج من مصاعبه السياسية والاقتصادية، وهذا ما يعطيها القدرة على امتصاص ضغوطات الإدارة الفرنسية التي تريد من المملكة تقديم المساعدات الاقتصادية، من دون أن يقدّمَ الفرنسيون الضماناتِ الكافية، بأنّ صاحب القرار الفعلي في لبنان، سيلتزم أقلّه بسياسة النأي بالنفس.

واذا كان لدى أحدٍ من دول «اللقاء الباريسي» وهم بإمكانية فصل الحلول الاقتصادية عن الحلول السياسية، لدفع دول الخليج العربي باتجاه تقديم الأموال، أو أن يقتصر دورها على ذلك، من دون مواكبتها في فهم التداخل بين السياسة والاقتصاد، سيكون كمن يضع بنفسه، العربةَ أمام الحصان، فيخسر حينها صفة الوسيط المحايد.

لا يستطيع أيُّ طرفٍ قريب أم بعيد، إدخال لبنان في مرحلة سياسية جديدة، تشكل طريق الخلاص للشعب اللبناني، فهذه مهمة لبنانية بامتياز، تتعطل فيها لعبة التفضيلات المصلحية، أو استعراض القوة، لكون هذا البلد الصغير قد وصل إلى المحطة الحاسمة، التي لا يمكن أن تمارس فيها السياسة كتَرفٍ لاستثمار الوقت، بانتظار ما هو أفضل.

الأشقاء العرب قدّموا ما عندهم: مبادرة بشروط قابلة للتحقيق، فمن الملائم إعادة وضعها على بساط البحث، من منظور المصلحة الوطنية ومواءمتها مع المصالح العربية. فمن غير المنطقي أن يُظهر اللبنانيون لا مبالاة حادة، تتجلى بالتخلي عن القيام بالجهد المطلوب منهم والتضحية في سبيل بلدهم الذي يعاني الأمرّين، نتيجة لسياسات فوقية أدت إلى ما أدت اليه من ترهلٍ وعزلة وتدمير ممنهج للاقتصاد اللبناني.

إن العودة إلى منطق الاستقواء كوسيلة ضغط سياسي، باتت من مخلفات الماضي، فليس من منتصرٍ، في ظل انكشاف اقتصادي، حيث لا كهرباء ولا ماء، والفقر آخذ بالتوسع ليبتلع الطبقة الوسطى برمتها، وحدود فالتة على مصراعيها، الدولة في عجز عن ضبطها ولو بالحدود الدنيا، والعدالة في مهب الريح.

المبادرة العربية طالبت باحترام اتفاق الطائف، كفرصة أخيرة، لاعادة التوازن الوطني المطلوب، وإذا تجاهل المسؤولون هذا المطلب، سنواجه وقائع غير ملائمةٍ، ستقودنا لاحقاً إلى نتائج كارثية، لا محالة...

(*) كاتب لبناني


MISS 3