رفيق خوري

مظلة ضيقة للحكومة وتحديات للمعارضين بالمفرق

12 شباط 2020

10 : 00

المشهد السوريالي يتكرر في واقع تراجيدي بمصاحبة سيناريو عبثي في جلسة الثقة: حكومة "مواجهة التحديات" كما سماها الرئيس حسان دياب هي عمليًا "واجهة" لأقوياء في "مواجهة الغضب" الشعبي. ثقة فئوية داخل قاعة المجلس النيابي. لا ثقة صارخة في الشارع. لا موقف عربيًا ودوليًا من الحكومة على أساس بيانها الوزاري بل انتظار الأفعال التي موجزها "تقديم برنامج إصلاحي طموح يبدأ بمعالجة المسائل المالية وتلك المتعلقة بالقطاع المصرفي والبنى التحتية وخاصة على صعيد الكهرباء، من خلال خطة عمل مرتبطة بمدة زمنية محددة وإرادة سياسية قوية" حسب ساروج كومار جاه مدير دائرة المشرق في البنك الدولي. لا مجال للتحايل كالعادة بممارسة الشعار الذي قاد إلى أزمة عميقة في الأرجنتين: "إقترض أولاً، وأصلح لاحقًا"، لأن المطلوب الآن هو الإصلاح أولاً. أصحاب الحكومة يناقشون بيانها الوزاري. والمعارضون موحدون في الموقف، لا في الموقع، ويحجبون الثقة متفرقين.

والمفارقات كبيرة: أزمة عميقة، وحدة شعبية في الشارع، وقادة أحزاب يعارضون متفرقين. وراء حكومة اللون الواحد "جبهة" موحدة، بالخيار والإضطرار معاً، تضم الثنائي الشيعي والرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر وبقية قوى 8 آذار. وخلف الشارع الواحد "لا جبهة" بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي والكتائب والأحرار والكتلة الوطنية.

ولا أحد يجهل الحساسيات والحسابات السياسية والشخصية والأخطاء التي أدت إلى فرط قوى 14 آذار. لكن التحديات اليوم تفرض التفكير "خارج الصندوق" وإعطاء الأولوية للحسابات الوطنية الكبيرة على الحساسيات والحسابات الصغيرة. فلا تأثير فعليًا للمعارضة إن لم تكن في جبهة واحدة مع برنامج إنقاذي، بصرف النظر عن الصيغة الجديدة للجبهة. وإذا كانت وحدة الشارع، وعمق الأزمة التي ضربت كل بيت، ومخاطر دفع لبنان إلى عين العاصفة في صراعات المحاور الأقليمية والدولية، لا تدعو إلى المسارعة في إقامة مثل هذه الجبهة، فإن المعارضين في ورطة أكبر من أزمة السلطة. وهم يعرفون أنه لولا وحدة الشارع وتحالف قوى 14 آذار العام 2005 لكانت القوات السورية لا تزال في لبنان.

الساعة دقت لوقفة مع الذات ومراجعة المواقف بعد مرحلة التراجع عن مواقف. والوقت ضيق والشعب في ضيق والأزمة واسعة. وأهم مصدر نفيس لدينا هو الوقت" كما قال عبقري التكنولوجيا ستيف جونز ابن المهاجر الحمصي. فالأزمة التي صنعها أصحاب هذه الحكومة وشركاؤهم منذ سنوات وخصومهم منذ التسعينات تحتاج إلى حلول أكبر من الحكومة وأوسع من مظلتها السياسية. وتبادل الإتهامات بالمسؤولية من دون حلول يدفعنا إلى التذكير بقول الفيلسوف ابراهام هيشل: "في مجتمع حر، البعض مذنب لكن الكل مسؤول".


MISS 3