مجيد مطر

سعد الحريري بين الزعامة والسلطة

18 شباط 2023

02 : 00

شكّلت زيارة الرئيس سعد الحريري في الذكرى 18 على اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رافداً وجدانياً عبّر من خلاله جمهور «تيار المستقبل» عن شعوره بالتهميش نتيجة عزوف زعيمه عن العمل السياسي الرسمي، في بلدٍ تعتبر فيه «الزعامة السياسية» مدخلاً لجدية التمثيل في الدولة والنظام. وقد بدا لافتاً التفاف الجمهور حوله عند الضريح في مشهديةٍ عاطفية تقول الكثير.

المنصت بتمعّنٍ لما قاله «الجمهور الأزرق»، وهو في غالبيته من الطائفة السُّنية، يصل إلى خلاصةٍ مفادها أنّ هذا الجمهور يشعر بحنينٍ قوي لعودة الحريري إلى لبنان، ليؤدّي دور الزعيم. فموقع الزعامة وموقع رئاسة الحكومة أو أي موقع رسمي آخر، لا يتطابقان مع بعضهما بعضاً بالضرورة. الزعامة لها ميدانها وشؤونها الخاصة التي تُمارس خارج نطاق المسؤوليات الرسمية، وإن كان لها الإمتداد الوطني والتأثير السياسي.

عموماً، إنّ هيبة الزعامة تأتي من الوجدان والخضوع الإرادوي لدالة كاريزما الزعيم، التي تمنحُ بحضورها شعوراً بالاطمئنان، وقوة الحضور في النظام السياسي لدى المريدين. ما قاله الناس يشير إلى شعورٍ دفين باليتم في غياب الحريري. صحيح أنّ غيابه ترك فراغاً كبيراً، ولكن الأكثر صحة هو أنّ هناك من يعمل لملء ذلك الفراغ، وإمكانية ذلك مسألة أخرى، تحكمها الظروف ومسار التطوّرات.

القول إنّ الحريري، قد أثبت حضوراً زعاماتياً لدى طائفته، أكثر من إثباته مقدرة في إدارة الشأن العام، أو الحنكة التي يتطلّبها الخوض في لعبة الصفقات والتسويات، ليس فيه إدانة له، أو تقليل من شأنه، لا بل قد يتضمّن بعداً قيمياً، بأنّ هذا الرجل يملك منسوباً عالياً من الإخلاص والمصداقية تجاه لبنان وشعبه، خصوصاً أنّه قد يبدو الوحيد الذي دفع الأثمان الغالية نتيجة دخوله في تلك التسوية الرئاسية المشؤومة التي ساهمت في تسريع الانهيار، ودفعِ لبنان صوب جهنم الفقر والفوضى والترهّل.

مع أن ثورة 17 تشرين قد طالبت بإسقاط حكومته، إلّا أنّه لم يكن هو المستهدف على نحو مباشر، بل حليفه آنذاك، جبران باسيل الذي أصبح سيد الموقف، ومتحكّماً بالحكومة وانعقادها، فضلاً عن نفوذه لدى رئاسة الجمهورية، وقد أدّى أحد أقرباء الرئيس الحريري دوراً مهماً في تأمين العنصر المسهّل لتماهي نفوذ باسيل في الموقعين.

وقد تحمّل الحريري شخصياً، في الدّاخل اللبناني عند طائفته، المسؤولية على تغوّل واستقواء رئيس التيار العوني، الذي لم يترك مناسبةً إلا واتهم اللبنانيين السُّنة على عمومهم بالتطرف والإرهاب. كما وأن الحريري قد دفع ثمن الخطاب العوني الذي كان يُعلي من شأن فكرة «حلف الأقليات» الذي يقوم، ليس على المطالبة بتحقيق مكاسب سياسية مشروعة للأقليات بالوسائل الديمقراطية، وتعزيز تمثيلهم في الإدارة والحكم، بل كان مضمون ذلك الحلف يتعايش مع فكرة قتل وقمع الأكثرية في العالم العربي، كما وبدا الحريري، وكأنه يغطي طرفي «تفاهم مار مخايل»، ما تسبب بعزلة لبنان عربياً ودولياً.

الحريري، ليس من صنف السياسيين الذي تعني له السياسة، وتذوّق الربح والقوة والنفوذ ورفع الأصابع، بقدر ما تشكل له استرجاعاً لتجربة والده التي حقق فيها الإنجازات على مستوى تقدم البلد وازدهاره، مع الاختلاف في الظروف والصعوبات. وفشله في تحقيق الأهداف التي أرادها من دخوله تلك التسوية، يعود لأسباب جوهرية منها ما يتعلّق بشخصه وتجربته الخاصة، ومنها ما يتعلّق بالواقع السياسي اللبناني الصّعب، القائم على تقديم المصالح الفئوية على المصالح العامة التي تخصُّ الشعب اللبناني.

لا شك أنّ العنصر العاطفي، يدخل أحياناً في بناء المواقف السياسية، متجاوزاً الكثير من الاعتبارات، نتيجة لقناعة يكوّنها الجمهور وتخصّه وحده، تحديداً في فترات الإحباط السياسي، فتغدو العلاقة بين الزعيم ومريديه علاقة أبوية، تبريرية الطابع. وهذا الواقع لا ينطبق على جمهور من دون غيره، فسيكولوجيا الجمهور، تشير إلى خوف وجودي من فكرة التخلي عن الزعيم، الذي ليس له سوى مهمة واحدة: بثّ الشعور بالأمان لدى أنصاره.

وعليه فإنّ غياب الحريري عن الساحة السياسية، هو غياب ثقيل في نتائجه، إن على مستوى التوازنات في البلد، أو على مستوى «تيار المستقبل»، إلّا أنّه بإمكانه أن يخفف من وطأته من خلال الاقتناع بأن يعود زعيماً لا رئيساً...

(*) كاتب


MISS 3