د. ميشال الشماعي

لمّ الشّمل

17 شباط 2020

02 : 25

يبدو المشهد الاقتصادي سيّد الساحات بعدما انتهت مسرحيّة التكليف والتشكيل والثقة الهزيلة. وبات الحكم في لبنان بيد فريق "حزب الله" من دون مواربة. ويبقى أنّ الفريق السيادي يلملم ما تبقّى منه، خصوصاً بعد إحياء ذكرى 14 شباط من بيت الوسط. فهل سيستطيع استعادة ما تمّ سلبه منه بقوّة الديموقراطيّة المتوشّحة بوهج السلاح؟

تداعى أركان 14 آذار لتنظيم صفوفهم من جديد، وذلك بعدما انتهوا من المعركة الدستوريّة مع الحكومة الديابيّة التي لم تعجب حتّى بعض مناصريهم. فهذا الفريق مصرّ على بثّ الثقافة الدستوريّة، لأنّه يطمح إلى إنشاء الدّولة الدستوريّة التي كان على قاب قوسين من تحقيقها بعد 14 آذار المجيد. مقابل فريق يصرّ على بسط سيطرته، ولكن هذه المرّة بالأساليب الديموقراطيّة بعد التحايل والالتفاف عليها. إلا أنّ عين المجتمع الدولي ساهرة وتراقب تدرّج الأحداث في لبنان الذي بات في عين العاصفة. وعلى ما يبدو إنّ الأهميّة التي أكسبته إيّاها حقول النفط والغاز الموعودة، لن تسمح للمجتمع الدولي بالتخلّي عن دوره الدستوريّ.

من هنا، ستكون الحكومة الديابيّة أمام استحقاقات عدّة لتثبت بطريقة تعاملها معها، حسن نيّتها أمام هذا المجتمع. ولعلّ أوّلها استحقاق سداد الدين في التاسع من آذار المقبل. لذلك سيصل في الأيّام المقبلة وفد من صندوق النقد الدولي للبحث في المساعدة التقنيّة التي طلبها لبنان. لكنّ المؤسّسات الدوليّة لا تعمل وفق القواعد اللبنانيّة "الأبو ملحميّة"، بل إنّها تعمل وفق الأسس القانونيّة والتقنيّة المتعارف عليها بين الدول المتحضّرة. من هنا، سيكون بند فرض الاصلاحات الضريبيّة بنداً جوهرياً ستفرضه على لبنان الدولة، ولبنان الشعب الذي لم يعد يحتمل. ووسط هذه المعمعة المحلّية والدوليّة، تترنّح الحكومة الجديدة أمام استحقاق اليوروبوند. ولعلّ هذه هي النافذة التي سيدخل منها فريق 14 آذار إلى المشهد السياسي الجديد مجتمعاً؛ ويُتَوَقَّع أن يضع خطّة اقتصاديّة شاملة بعد إعادة جمع أركانه كلّهم، لا سيّما أنّ بعض الوزراء من هذا الفريق الذين تولّوا مهام وزاريّة في حكومات سابقة، قد أثبتوا جدارتهم في الشأن الاقتصادي، لكنّ الفريق الذي استولى على الحكومة اليوم لم يأخذ أبداً بنصائحهم. ما أوصل الوضع إلى هذا الدرك.

لقد بات المشهد السياسي واضحاً. تصرّفات الفريق الواحد ستعيد إحياء الثنائيّة القديمة التي قسمت البلد عمودياً، لكن مع فارق جوهريّ، وهو أنّ هذين الفريقين سيكونان تحت مجهر شارع الثورة الذي لن يألو جهداً في استخدام شارعه للضغط عليهما، بهدف تصويب البوصلة متى اختلّت. لذلك، ستشكّل المواجهة الاقتصاديّة الركن الأساسي الذي سيجمع بين شارع المعارضة الدستوريّة من داخل المؤسّسات والتي سيمثّلها الفريق السيادي، مع المعارضة في الشارع التي ستمثّلها ثورة 17 تشرين بوجه شارع السلطة الواحدة.

نحن مقبلون على أيّام صعبة جدّاً جدّاً. ولا نخفي سرّاً إن جاهرنا بذلك. فمن المعيب التلطّي وراء الانتصارات الوهميّة وبثّ روح التفاؤل المفرط، في حين أنّ المريض بات بحالة موت سريري. لكن الحلول ليست مستعصية أو مستحيلة، بل المطلوب ألا تتنازل الارادات الصلبة عن مهامها. عدا ذلك، سيكون اللبنانيّون عرضة لبراثن المؤسّسات الدوليّة التي لا تعمل بحسب التقليد اللبناني النفعي. فالمطلوب واحد، العمل بواقعيّة سياسيّة والتعالي عن الفوقيّة والعنجهيّة والنكد السياسي، حتّى لو كان في الفريق نفسه.


MISS 3