عماد موسى

إغتصاب

27 شباط 2023

02 : 00

بظرفه الموصوف، وبأسلوبه المحبب. قال الياس رحباني، في مقابلة تلفزيونية، مستذكراً: «كلما فتحت شاشة التلفزيون في الفندق يقفز أمامي أحد المغنين، فأسارع إلى إطفاء التلفاز، أُشغل الراديو. هو نفسه على أثير الإذاعة. أحاول الهروب منه إلى النوم أجده يقفز في سريري». فأين المفرّ؟

ما أتعرّض له يحمل أوجه شبه مع «الخبرية» هذه، إذ يتعرض هاتفي المحمول منذ أشهر لعملية اغتصاب لا أستطيع منعها. لدي بين الأصدقاء من يحرص على إحاطتي، أوّلاً بأوّل، بتحركّاته، بأسفاره، بنشاطاته، بلقاءاته مع رجال دين ودنيا، بصوره في المؤتمرات التي يُدعى إليها، مراقباً صامتاً أو ناقلاً هواجس. 99،95% مما يرسله عبر واتسآب لا يهمني، وهو نسخة طبق الأصل مما ينشره على تويتر وعلى فايسبوك وعلى إنستغرام وعلى موقعه الإلكتروني. يحاصرني، كشاهد على العصر، بأخباره المصوّرة وتعليقاته على الأحداث. ولا يترك لي مجال الإفلات من المتابعة.

لا وقت محدداً لديه لضخ يومياته. وغالباً ما أمحوها فور ورودها إليّ من مكتب التحرير. أحياناً توقظني إشارة ورود رسالة وأنا في جلسة شيقة مع مونيكا بيلوتشي، أقوم مذعوراً إلى الموبايل. ربي وإلهي ما يكون الرئيس بري «بو شي». وأحيانا فسدت عليّ رسائله قيلولتي. يقاطعني على الغداء. فجراً. ظهراً. في الهزيع الأول من الليل. في آخره. أخباره لا تنضب. يتفوّق على فريد البستاني. رويترز تأخذ «بريك» وهو لا. أما قلت إنه أغتصاب يومي؟

وجدتني ذات يوم أمام خيارين.

الأول: بلوك كامل وشامل يحررني تماماً لا بل يريحني من يومياته وجداول مواعيده في عواصم القرار.

الثاني: أن أبادله بالمثل. علّه يحذفني من قائمة المرسل إليهم على تطبيق واتس أب و»يسنكفني» على تويتر متى بلغ سيله الزبى.

الخيار الأول، ليس من شيم المهذبين ولو اغتُصبت هواتفهم.

إعتمدت الخيار الثاني، وصرتُ كلما بعث إلي بخبر وصورة له، أبادله فوراً وسريعاً بمقال لي طازج. لربما فاته أن يقرأه في «نداء الوطن» الورقية أو الإطّلاع عليه على موقع الجريدة الإلكتروني وهو متوافر في الدقيقة الثالثة بعد منتصف الليل بتوقيت بيغ بن، ومنشور على وسائل التواصل الإجتماعي كلّها. بعد فترة وجيزة من بدء خطة المواجهة، وجدتُ أن الكفة مائلة لمصلحته. فماذا أفعل متى ارسل كل ساعة شيئاً من يومياته وتعليقاً من تعليقاته؟ كيف أبادله الخبر بمقال؟ لستُ بفقّاسة مقالات. لجأت إلى الأرشيف. وما عدت أميّز بين مقال بائت من سبعة أعوام وآخر «قطف اليوم»، من دون أن أتلقى أي إشارة تفيد أنه قرأ سطراً واحداً من بنات أفكاري أو صبيانها. أساساً هذا الأمر لا يهمني. ما يهمني مبادلته الإزعاج بإزعاج.


MISS 3