شربل داغر

درس الفن بين المحلّي والأجنبي

6 آذار 2023

02 : 00

لو أجرى المتابع مقارنة - افتراضية بالطبع - بين الكتابة في شؤون الفنون التشكيلية وبين دورة التداول في المجتمعات العربية المختلفة، لوجد أن المفارقة مفاجئة بنتائجها: قليلة كتبُ الفن ودراساته، فيما تنشط أكثر المتابعات الصحفية، في الوقت الذي تزداد فيه المتاحف وصالات العرض وعمليات البيع والشراء... المشهد غريبٌ كما لو أن التعالق مقطوع أو غير مناسب بين المجالَين.

ولو اقترب المتابع أكثر في معاينة المشهد، لتنبه إلى أن الكتب المرجعية عن الفن تزداد في لغات أجنبية خصوصاً الإنكليزية، فيما لا تتنامى وفق المعدلات عينها في العربية. هذا ما عبر عنه أكثر من ناقد محلي، واشتكى منه، بل بلغ بالبعض التعبير عن توجس سياسي، إمبريالي الطابع، من أن الجهات المتحكمة بالرأسمال العالمي، من جهة، هي ذاتها المتحكمة بالفكر، من جهة ثانية. الاكيد هو أن جامعات ومؤسسات بحثية أجنبية تعنى أكثر فأكثر بأحوال الفنون العربية، عدا أنها تنعم بعمليات دعم قوية - ولو محدودة -، فيما تفتقر جامعات عربية ومؤسسات بحثية إلى عمليات التنشيط هذه.

هذا يعني كذلك أن النشاط النقدي الأجنبي يحظى، من قبل أصحاب القرار المحلي، لا سيما في مؤسسات الفن في الخلبج، بالأهمية، وعلى حساب الدارسين المحليين بالضرورة. هذا يرسم سياسات، ويعلي ويخفض من مكانات، ويبدو فيها درس الفن بخبرات محلية مستضعفًا ومتناقص القيمة.

أتحدث خصوصاً عن سياسات، ولا أتحدث عن قيمة الجهد البحثي أو الدراسي المبذول هنا أو هناك.

هذا النشاط بات ممكناً ونشيطاً في جامعات أميركية وفرنسية وإيطالية وألمانية وغيرها، حتى إنه يبدو، في بعض الأحوال، المرافق الطبيعي لدورة الفن المحلي.

هذا ما يتوكل به جامعيون وباحثون أجانب، أو من أصول عربية. هذا ما يتعين ويتأكد في أقسام جامعية وأطروحات وكتب ودراسات، هنا وهناك، ولا سيما في جامعات أميركية. ولو عدتُ ألى أحد الإصدارات الأخيرة، المرتبط بأحد المتاحف الأميركية، لوجدت جهداً توثيقياً وبحثياً جديراً بالذكر والتثمين.

فقد أصدر متحف "موما" (MoMA)، في نيويورك، كتاباً بالإنكليزية، وهو بعنوان: "الفن الحديث في العالم العربي: وثائق أولى". وقد عمل على إعداد الكتاب الأساتذة : آنيكا لنسن، وسارة روجرز، وندى شبوط. يشتمل الكتاب على وثائق كتابية قيمة عن الفن العربي في القرن العشرين خصوصا (وقبله أحياناً)، ما يضم كتابات ومقالات وبيانات فنية وغيرها؛ كما يشتمل (أقل) على صور فوتوغرافية تستكمل هذا الجهد التوثيقي.

مثل هذا الكتاب لم يصدر في أي بلد عربي، عدا أن متاحفها ومؤسسات الفن فيها، لا تعنى بحفظ هذه الوثائق، والبناء عليها في كتاب التاريخ الفني.