د. ميشال الشماعي

الحرب المقنّعة

21 شباط 2020

03 : 15

مدعوّون اليوم إلى مقاومة اجتماعية (فضل عيتاني)

يعيش اللّبنانيّون اليوم في حرب مقنّعة استجلبوها لأنفسهم، أو لنكن منصفين، نقولها وبضمير مرتاح جدّاً: إنّ بعض اللّبنانيّين هو الذي فرضها على شركائه في الوطن، وذلك خدمة لأجنداته الخاصّة. وممّا لا يخفى على أحد في لبنان والعالم، أنّ سير "حزب الله" وفقاً لأجنداته الخاصّة قد وضع لبنان في دائرته وحده، ما حتّم على اللّبنانيّين مجتمعين أن يتحمّلوا تبعات هذا القرار. وعلى حد قول المثل الشّعبي: فهل سيتمكّن من أصعد الحمار على السّطح بأن ينزله رأفة بأهل هذا البيت؟

مخطئ من يظنّ أنّ الوضع الذي بات فيه لبنان اليوم هو نتيجة يتحمّل مسؤوليّتها أبناء الوطن كلّهم. من هنا، تسقط مقولة "كلّن يعني كلّن" التي رفعها الشارع في ثورته الشّريفة. نعم، "كلّن يعني كلّن" للمحاسبة أمام القضاء الذي ما زال محطّ ثقتنا، لإيماننا بنزاهة القضاة وضمائرهم الحيّة. وعلى القاعدة القضائيّة التي تقول بأنّ "المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته"، فليحاكم المرتكب أدنى جرم، وليحاسب بحسب القوانين المرعيّة الاجراء. عدا ذلك، لا يمكن اتّهام النّاس أجمعين.

أمّا بالنّظر إلى الوضع الاقتصادي الخطير الذي وصلنا إليه فيجب على اللّبنانيّين أن يكفّوا عن التّنظير وليترك الأمر لأصحاب الكفاءة والاختصاص، وهم كثر والحمدلله. وليتحمّل من هم في موقع القرار مسؤوليّة قراراتهم لأنّهم فريق عمل واحد، ومن المفترض توفّر "الهارموني" في ما بينهم. من هنا، يجب عدم إغفال هذا الواقع، والضحك على النّاس بالقول لهم بأنّ أمد هذه الأزمة قصير جدّاً "والدني بألف خير". لا وألف لا. ما يجب القيام به هو وضع اليد على الجرح وتصويب بوصلة أهل الحكم بتقديم حلول ناجعة، وليس نظريّات فقط لا تفضي إلى أي شيء.

كلّ حرب تفترض وجود مقاومة دفاعيّة تصدّ، أو على الأقلّ تحدّ من خسائرها. لذلك، نحن مدعوّون اليوم إلى المقاومة من جديد، ولكن هذه المرّة يجب أن تكون اجتماعيّة. وذلك لا يكون إلا بتغيير نمطيّة العيش التي اعتاد عليها اللّبنانيّون، وهي مبنيّة على الترف المسرف من خلال العودة إلى الأنموذج البسيط في الحياة الذي اعتمده أجدادنا للصّمود في هذه الأرض. ولا ينسينّ أحد أنّ أجدادنا كانوا في حالة حرب مع الطبيعة أوّلاً ومن ثمّ مع محيطهم الجيوبوليتيكي الذي أراد تغيير هويّتهم الكيانيّة. وما فشل هذا المخطّط إلا باعتماد المقاومة الاجتماعيّة نهج حياة.

صحيح أنّ الملفّ النّقدي، ولا سيّما ما يتعلّق بموضوع سداد الدّين العام هو الوسيلة التي يُحَارَبُ فيها لبنان اليوم. من هنا، يجب إيجاد الوسيلة المقاوِمَة لهذه الحرب والتي تبدأ بالحياة الاجتماعيّة البسيطة والعودة إلى الجذور. هذه الحرب أخطر بكثير من حرب القذائف والرّصاص لأنّها تمسّ الانسان بكرامته الشخصيّة ولقمة عيشه معاً. وإن لم يعد اللّبناني إلى تواضع الآباء والأجداد، وإن بقي مصرّاً على الحياة المترفة، لن يتمكّن من الصّمود.

المطلوب اليوم، من "حزب الله" أولاً، أن يعمل على استعادة ثقة المجتمع الدّولي بلبنان لأنّ ثقة إيران تكفيه وحده، ولا تكفي اللّبنانيّين كلّهم. وعلى اللّبنانيّين مجتمعين أن يحضنوه اليوم كما في الأمس، في حال عاد إلى كيانيّته اللّبنانيّة التي تبدأ من جبل عامل ولا تنتهي في هياكل بعلبك. وذلك لنستطيع النّهوض جميعنا بعدما نبطِل ذريعة الحرب علينا. عدا ذلك، هذه الحرب ستستمرّ ووجهتها باتت واضحة للعيان. ومن له أذنان للسّماع... فليسمع.