خالد العزي

بغداد - بيروت ثورة في حراكين...

21 شباط 2020

03 : 10

لم يعد بالإمكان فصل ما يجري في العراق وتحديداً في جنوبها، عما يجري في بيروت وبخاصة في جنوبها. إنها ثورة في بلدين وعند شعبين قرّرا الانتفاضة على حكومتيهما بسبب الميليشيات المافيوية التي سيطرت على الدولتين ونهبت خيراتهما ولم تمارس أي عمل ينعكس إيجاباً على المواطن.

تجمع ما بين البلدين تناقضات كثيرة ومختلفة يحاول المواطنون المواجهة بطرق سلمية بالرغم من القمع والبطش والتضييق، التي تمارسها سلطتا البلدين لجهة كمّ الافوه والانقضاض على الحراك.

يواجه الشعبان سلطات وميليشيات متشابهة تنفذ أجندات اجنبية على حساب ثروات الدولة ومصالح الناس، حيث يتم قتل روح المواطنة لمصلحة الولاء الخارجي الذي بات يسيطر على الاحزاب والقوى، التي تقبض على السلطة وتدير خيرات البلاد والعباد بطريقة خاصة من دون قيود او قانون.

يجتمع المتظاهرون في كلا البلدين على حب الوطن ومحاولة استعادة الوطن المسروق والمفقود من أجندات الحكام، فالانتفاضة التي ابتدأت في البلدين تحت عناوين مطلبية اقتصادية واجتماعية، لم تعرها أي اهتمام سلطة المال، فالجميع وضع هدفاً واحداً في تظاهراته الشعبية وحراكه المستمر في الساحات والشوارع بين المتظاهرين لانهم يستعيدون وطناً، والوطن يتطلب مواطنين مؤمنين باستعادة اوطانهم، فهذه المهمة صعبة امام المتظاهرين لان استعادة الوطن هي مهمة صعبة جداً وليست مستحيلة، بل تتطلب ثواراً يؤمنون باستعادة أوطانهم وتحريرها من نير الطغمة المالية الحاكمة الفاسدة التي اضاعت البلد وأوصلته الى مرحلة الانهيار.

أربعة أشهر ومواطنو العراق ولبنان يفترشون الشوارع ويلتحفون السماء من دون الاستجابة لمطالبهم، لكنهم مصرون بالاستمرار، ويرفضون كل التشكيلات المركبة بوزارة من قبل مستوزرين ومستشارين للأساسيين، وكأنهم يتذاكون على الداخل والخارج من اخراج صور لا تشبه الحلول والتوافق مع الشارع.

فمن هنا نرى الاشياء الكثيرة التي تتشابه بين ثوار البلدين وطرق الاحتجاج والاعتراض والمواجهات بين الشعب وازلام السلطة. لذلك نرى أن مواطني البلدين يواجهان بطرق سلمية بالرغم من الطرق البشعة التي يتعرض لها المنتفضون من قبل السلطة، من حرق الخيم للهجومات المتكررة على الساحات من قبل الشبيحة، والقتل المتعمد والقناصين وقلع العيون والضرب على الرأس والظهر حتى الشلل، والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي، والحي...

أما نقطة التشابه بين الحراكين فهي الاصرار من قبل المنتفضين على الاستمرار والذهاب نحو المواجهة الدائمة من خلال رفع شعارات متشابهة بين البلدين، ففي "بيروت رفعوا شعار كلن يعني كلن، أما في العراق فرفعوا شعاراً مشابهاً ولكن باللهجة العراقية شلع خلع".فقد رفع كلّ من الحراكين "الكارت الاحمر" بوجه حكومته وأسقطها وأظهر فشلها ولم يعطِ أيّ منهما الثقة لحكومته الجديدة، وأسقطا الشرعية الرسمية عن النواب، ورفعا جدران العزل بينهم وبين الشعب. لكن الشعب ربط بشعاراته ثورة العراق ولبنان وبأنها ثورة من بيروت لبغداد لا تموت.

فأجمل ما كان في هذين الحراكين بأنهما حراكان قادتهما الاجيال الشابة الصغيرة التي ارتبطت بمفاهيم معيشية مطلبية، من خلال مفاهيم التكنولوجيا واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت هذه الوسائل عماد الثورة الشبابية، إذ إن النساء كنّ ينشدن الأغاني ويحملن اللافتات والشعارات ويطرقن الطناجر ويصرخن في الشوارع وذلك تحت أنظار العالم المراقب والمندهش بنوعية التحركات التي تمارسها المرأة بحراكها.

فإلى جانب الشباب الثائر كانت النساء الثائرات هن الظاهرة البارزة في حراك العاصمتين، حيث سطع نور الانثى في لبنان من خلال تصدّرها الواجهة والسير في الحراك في الصفوف الامامية، فكانت انتفاضة بيروت تسمي الانتفاضة "انثى" نتيجة الدور الذي لعبته الانثى وبخاصة في المجتمعات المغلقة، التي فتحت سريعاً أمام العنصر النسائي بصورة مميزة. وايضاً في العراق حيث تصدرت المرأة العراقية الواجهة الاعتراضية وسيطرت التظاهرة الاخيرة على بغداد، بكونها تظاهرة نسائية بالمطلق تحت شعار "صوتهن ليس عورة" ردّاً على مشايخ البلاط.

وهنا لا بد من التمعّن بموقف مديرة صندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجييفا" أثناء المشاركة في منتدى المرأة العالمي المنعقد في دبي، "لماذا الشعب اللبناني في الطرقات ولماذا لا تستمعوا الى شعبكم؟" هذه النظرة بسبب التظاهرة التي ملأت شوارع بيروت وستملأ الشوارع اللبنانية كل يوم وكل أسبوع، لإسقاط حكومة الاقنعة واستبدالها بحكومة تمثل الشعب.

فحالة بيروت لا تختلف نهائياً عن تظاهرات بغداد ومطالبها في اسقاط الحكومة المقنعة واستبدالها بحكومة شعبية، فالشعب اتّخذ قراره بالتحرر من نير السلطة وميليشياتها المافياوية في البلدين.

MISS 3