سيلفانا أبي رميا

Bazar Du Livre للكتب المستعملة

مارون طنوس بشارة: السعر رمزي وأصبو الى مكتبة متنقّلة

9 آذار 2023

02 : 01

إنطلاقاً من إيمانهما الكبير بأن الثقافة حقٌّ للجميع وأنّ الكتاب يجب أن يُعطى مئات الفرص، بادر أب وابنه الى جمع الكتب المستعملة وبيعها بسعر رمزي موحّد بغضّ النظر عن حالتها وأهميتها، ونجحا بنقل المطالعة والتثقيف إلى آلاف الأشخاص. اليوم ومع غياب الدعم وصعوبة التنقلات والأزمة الاقتصادية يقف الإبن حائراً محاولاً بكل ما لديه الحفاظ على هذا الحلم بعد رحيل والده. "نداء الوطن" التقت مؤسس Bazar Du Livre مارون طنوس بشارة للحديث عن هذه المبادرة الثقافية والخروج بها إلى الضوء.

كيف ومتى بدأت فكرة Bazar du livre ؟

منذ 8 سنوات، وخلال زيارتي لابنتي في كندا، استوقفني شعار في المترو يقول "أَعطِ حياةً أخرى لكتابك" Donnez Une Deuxieme Vie A Votre Livre، وعلمت من ابنتي أن مجموعة من النساء تجمع الكتب المستعملة وتبيعها بأسعار رمزية لا تتخطى الدولار الكندي الواحد.

أعجبتني الفكرة وقرّرت تبنّيها، ولدى عودتي إلى لبنان تمكّنت من جمع 50 كتاباً مستعملاً، وساعدني والدي "أبو مارون" الذي كان داعمي الأول ومحباً للثقافة، فكان يقوم بفحص الكتب وتحسينها وترتيبها وترميم ما مُزّق منها.

قُمنا بافتتاح معرض صغير دائم على "طريق القديسة رفقا"، وسعّرنا الكتاب حينها بـ2000 ليرة فقط، وأسميناه Bazar Du Livre وانطلقنا تحت شعار "الكتاب حاجة" Le Livre Est Un Besoin.

ماذا عن حركة الإقبال؟

منذ بدأنا، كان الإقبال يتزايد يوماً بعد يوم، كانت الـ10000 ليرة حينها تشتري 5 كتب فيمرّ الناس لأخذها والاستمتاع بها في رحلاتهم إلى البحر أو الطبيعة مثلاً.

أغلب الزوار كانوا من الشباب الجامعيين، والأمهات الباحثات عن إغناء مكتبات أطفالهم المنزلية بكتبٍ منوّعة لا تثقل كاهلهم أو تزيد من عبء المصاريف.

أما اليوم ومذ بات سعر الكتاب 25 ألف ليرة، والتنقلات صعبة بسبب غلاء المحروقات، بتنا نواجه تراجعاً في الحركة إلا أن زبائننا ما زالوا يتصلون ويسألون اطمئناناً إذا البازار لا يزال قائماً.

ما قصة انتقالك إلى أسواق البترون؟

أنا في الأساس درست الكيمياء ودرّستها وعملت في مجال المواد الكيميائية. أحب الرسم أيضاً خصوصاً على الفخار (أرسم التراث والبيت اللبناني)، إلا أن الكتاب استحوذ على كل حبي وشغفي.

بعد تعرّض معرضي للسرقة ثم لحريق، انتقلت إلى راشانا حيث استأجرت بيتاً زراعياً قريباً من منزلي كان كافياً لحماية الكتب وعرضها.

ثم انتقلت إلى أسواق البترون بدعوةٍ من صديقَي جان كلود مبارك وسركيس البدوي اللذين يملكان محلَّين تجاريَين هناك، فكنت أفترش الرصيف أمامهما لعرض وبيع الكتب وكان الإقبال وقتها كثيفاً جداً من المحليين والسياح، وخصوصاً خلال الصيف والمهرجانات. إلا أنه ومع الوقت تضايقت جارتهما من الزحمة التي تحدث على البازار وطالبت بإزالة الكتب. وفي غياب تفهّم البلدية ودعمها لهذه المبادرة الثقافية غادرت الأسواق مرغماً، وعُدْتُ إلى راشانا.

حاولت مراراً التواصل مع البلدية علّنا نجد حلّاً وزاويةً صغيرةً تكون معرضاً ثقافياً مُتاحاً للجميع، لكن بدون جدوى.

كم كتاباً بعتَ حتى اليوم؟

بعت حتى اليوم أكثر من 10 آلاف كتاب. هذه الكتب أجمعها مجاناً كونها مستعملة، وبات لدي عدد كبير من الزبائن يقدّمون لنا مشكورين كل فترة كمية من الكتب، أخصّ منهم الدكتور في جامعة الشرق الأوسط بسام عبدالله، والأب مكاريوس خادم دير المخلّص، وجامعة العائلة المقدسة في البترون وغيرهم الكثير.

ما أنواع الكتب التي نجدها في البازار؟

الكتب في البازار بلغات عدة: العربية والفرنسية والإنكليزية والأرمنية والروسية والألمانية والإيطالية والإسبانية.

وتتعدد أنواعها بين القاموس وقصص الأطفال والكتب الجامعية والقصص التاريخية والمخطوطات وكتب الحقوق والطبخ والرياضة واللياقة البدنية والبحوث ودواوين الشعر وحتى الكتب المدرسية التي كانت تشكّل في بداية العام متنفساً للأهل الذين يقصدون البازار وعلى كاهلهم أعباء الكتب ومصاريف العام الدراسي.

ما الهدف الأساسي من هذه المبادرة؟

هدفي الأول والأخير أن يصل الكتاب لكل إنسان يحتاجه، كحاجة وليس كسلعة تجارية. الكتاب حق لكل شخص والثقافة نعمة.

أستذكر قصة فتاة زارتني وهي في طور التحضير لأطروحتها الجامعية، ووجدت عندي ما يزيد عن 15 كتاباً للأبراج والفلك وماغي فرح بـ30 ألف ليرة لبنانية فقط. لن أنسى الفرحة التي اعترتها والدمعة التي ارتسمت وهي تقول لي: "شكراً لقد أنقذت أطروحتي وشهادتي الجامعية. لم أتمكن من الحصول على الكتب والمعلومات بسعر معقول لإتمامها".

هل يزورك الناس اليوم في راشانا؟

في البداية كان يشكّل المشوار إلى راشانا فرحة وحماسة لدى زوّارنا لجمال المنطقة وطبيعتها وتواجد متحف بصبوص بجوارنا، كانت الأيام بخير والزوار بالمئات.

لكن اليوم ومع أزمة الدولار والبنزين خفّت الحركة كثيراً وباتت الوجوه التي تزورنا تقتصر على أبناء الجوار أو من مرّ صدفةً براشانا.

أنا على أتمّ الاستعداد لزيارة المناطق وبيع الكتب فيها بسعر رمزي موحّد وثابت دون مقابل، لكن ما ينقصني هو سيارة أو آلية وما يعيقني هو غلاء التنقلات. حلمي مكتبة متنقّلة أجوب بها المناطق وأوصل الثقافة للجميع.

هل شاركت في أسواق ومعارض؟

حاولت المشاركة في عدد من المعارض لكن فكرة سعري الرمزي والموحّد كانت تلاقي اعتراضاً كبيراً من تجّار الكتب حتى المستعملة منها.

وبمبادرات فردية، كنت خلال الصيف أحمل كتبي بسيارتي الصغيرة وأزور بها القرى التي تشهد مهرجانات واحتفالات دينية منها جدبرا وفغال وكفرعبيدا، ونجحت برسم الفرحة على وجوه سكانها كباراً وصغاراً.

ما الذي يمكن أن يعيدك إلى أسواق البترون حيث عهدك الناس؟

ما يعيدني هو إيجاد البلدية والمعنيين بالمنطقة زاوية لي في أسواق البترون لا تشكّل مصدر إحراج لي ولا إزعاجاً لغيري وتتركني بعيداً عن الأذية الكلامية. فقط لا غير.

هل تعتقد أن الكتاب في لبنان إلى اندثار؟

الكتاب لا يمكن أن يندثر ولا أن يُهزم أمام موجة التكنولوجيا وشبحها السريع. للكتاب مكانةٌ لا يقوى عليها أحد أو شيء، فهو لا يزال سيد المشهد خصوصاً في بلاد الغرب حيث نصادفه أينما ذهبنا، في المترو وعلى شاطئ البحر وفي المتنزهات.

أما في لبنان فمعركة الكتاب هي معركة السعر. فالأسعار باتت باهظة عند شعبٍ تدنّت معاشاته وباتت قدرته الشرائية تقتصر على ما هو أساسي لا غير.

أتمنى أن يدعم المعنيون في بلدنا مبادرات تشبه Bazar Du Livre ليصبح الكتاب بمتناول الجميع ولا تكون الثقافة حكراً على أصحاب الثروات والمتمكّنين مادياً.



يطّلعون على مجموعة من الكتب المستعملة




كيف تمكّنت من الاستمرار بالرغم من الأسعار الرمزية؟

الأيادي البيضاء كثيرة في لبنان، فهناك من يمدّنا كل فترة بدعم مادي لصيانة المكان الذي أضع فيه الكتب والإنارة وما إليه، أتمنى لو أستطيع ذكر أسماء هؤلاء الذين يضاهون مسؤولينا حكمةً وإنسانيةً وثقافةً وبينهم إعلامية كبيرة ومشهورة لكنها منعتني من الكشف عن هويتها. في النهاية مشروعي ليس تجارياً، والاستمرارية تقتصر على صيانات خفيفة خوفاً من الرطوبة والحشرات التي ممكن أن تُهلك الكتب، بالإضافة إلى تأمين الإنارة وبعض التنقلات.


يطّلعون على مجموعة من الكتب المستعملة


زبائن من كل الفئات والأعمار




ما الذي يمكن أن يدفعك إلى ترك البازار والتوقف عن بيع الكتب؟

هذه رسالتي في الحياة، ووصية كتبها وإئتمنني عليها والدي قبل وفاته. سأكافح بكل ما تبقى لدي ولن أتخلّى عن هذا الحلم. أنا ناسكٌ في دير الكتاب ومسيرتي هنا طويلة حتى يتوفّاني الله.


MISS 3