وليد شقير

إتفاق بكين: نصرالله يتجنّب الهجوم

13 آذار 2023

02 : 00

يفرض الإتفاق السعودي- الإيراني كحدث مفصلي القاعدة التقليدية القائلة إن ما بعده غير ما قبله، سواء على الصعيد الدولي أم المستوى الإقليمي أم في لبنان. فهو يخلط الأوراق على هذه الأصعدة كلها، المعقّدة والمتشابكة في الوقت نفسه.

إنه مفصليّ إلى درجة أنه يمكن أن يؤسّس لتفاهمات في بعض الميادين والساحات، وفي الوقت نفسه يحتمل أن يطلق مرحلة جديدة من الصراعات.

قد يغيب عن بال من يريدون حصر مفاعيل الاتفاق من اللبنانيين بما يتمنّون، أن أولى نتائجه أن الرئيس الصيني شي جينبينغ افتتح به أول إنجاز من ولايته الرئاسية الثالثة، في سياق الصراع الصيني- الأميركي الذي يشغل العالم ويكاد يقسمه مثلما فعلت الحرب في أوكرانيا، في وقت تترقّب الدول إذا كان هذا الصراع وتلك الحرب سينتجان عالماً متعدّد الأقطاب، أو سيكرّسان أحادية القطب للتفوّق الأميركي؟ قادة العالم المتخبّط المعنيون باستكشاف الأفق يتريّثون في تحديد وجهة البوصلة للسنوات المقبلة.

الأسئلة أكثر من الأجوبة على المستويين الدولي والإقليمي. هل سيطلق اختيار دولة محورية مثل المملكة العربية السعودية رعاية بكين اتفاقاً كالذي أُعلن، مرحلة من التباعد الأميركي- السعودي، أم يستبق التحول الدولي نحو عالم متعدّد الأقطاب؟ السؤال الأول الذي قفز إلى الواجهة لدى المراقبين أينما كانوا، هو هل ستكون واشنطن راضية عن هذا الاتفاق، وسط مخاوف أو توقعات بأن تسعى إلى تقويض مفاعيله في ظل تعميق رقعة الخلاف بينها وبين طهران حول النووي والكثير من ملفات المنطقة، ووسط التهيؤ لتصاعد صراعها مع الصين وموسكو؟

وما يدعو إلى هذا التساؤل تعليق الرئيس الأميركي جو بايدن عندما سئل عن الاتفاق بقوله إنه يعتقد أنّه «كلما كانت العلاقة بين إسرائيل وجيرانها العرب طبيعية كان ذلك أفضل للجميع». فما اهتم له ساكن البيت الأبيض هو مدى استفادة إسرائيل من حصوله، على رغم أنّ الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض رأى أنّه « إذا تمّ الحفاظ على الاتفاق وانتهت حرب اليمن ولم تعد السعودية مجبرة على مواصلة الدفاع عن نفسها نتيجة الهجمات القادمة من هناك فنحن نرحّب بذلك، وسنرى إذا ما كان الإيرانيون سيحافظون على تعهّداتهم ضمن الاتفاق». ولهذا حديث آخر.

في وقت كان ثاني الأسئلة المهمة عمّا إذا كان هذا الإنجاز سيؤدي إلى إنهاء الحرب في اليمن، فإنّ الجانب الإيراني أعطى بلسان المرشد وظيفة للاتفاق، على أنه «بداية مرحلة ما بعد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويعتبر زلزالاً ينهي السلطة الأميركية في المنطقة»، بينما يفترض نص الاتفاق وقف التدخلات في دول الإقليم، وانسحاباً إيرانياً من اليمن وسوريا... لكن رموز الممانعة يعاكسون ذلك بالكامل، ما يعني أنّ كل فريق يقدم قراءته الخاصة لمفاعيل الاتفاق، مثل قول الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ «الحصار والمخاطر على سوريا ولبنان واليمن وإيران وفلسطين وكل المنطقة، هذا لن يستمرّ وسيكسر»... فالمؤشرات لا تدلّ على أنّ الانفتاح العربي والغربي على سوريا سيتم من دون ثمن سياسي.

فضلاً عن أن الاتفاق يعزّز الدور السعودي القيادي على المستوى الإقليمي، وعلى الصعيد الاقتصادي، دولياً، لأنه يتيح استمرار تصاعد القوة الاقتصادية السياسية للمملكة وفق مبادراتها الجريئة في السنوات المقبلة، فإنّ تكريس هذا التوجّه يفترض خطوات عملية للانكفاء الإيراني عن «زعزعة استقرار دول المنطقة».

ما قاله رئيسا الوفدين السعودي والإيراني إلى بكين، مساعد العيبان وعلي شمخاني عن أنّهما أمضيا عدة أيام من المباحثات قبل إعلان الاتفاق (بين أربعة وستة) دليل على أنّ الجانبين تناولا الملفات العالقة بينهما، بما يتعدّى تبادل السفراء. فلا بدّ من أن تكون هناك اتفاقات على الصعيد الإقليمي، يفترض المنطق العمل على بلورة تنفيذها خلال مهلة الشهرين التي حدّدها البيان المشترك لعودة السفراء.

في انتظار اتّضاح صورة هذه الاتفاقات التي ستظهر مفاعيلها، يبدو أنّ أولى النتائج على الصعيد اللبناني هي اضطرار نصرالله بصيغة المزاح، في خطابه يوم الجمعة الماضي إلى تقديم تنازل، مع ابتسامة واسعة تخفي التراجع الذي سيضطر إليه، بأنه لن يهاجم السعودية «لا نُريد أن نفتح مشكلاً لأنهم سيتصالحون». فهو بذلك يعود عن نهج اتّبعه على مدى أكثر من 8 سنوات من الهجوم على الرياض إلى درجة ذهب فيها بعيداً وأكثر ممّا تطالبه به طهران، وهو ما تسبّب طوال تلك السنوات بقطيعة خليجية مع لبنان، ساهمت بين أسباب أخرى في تعميق أزمته.

ثمة من يقول إنّ الأمين العام لـ»الحزب» كان على اطلاع على المحادثات التمهيدية لاتفاق بكين، لكنه على ما يبدو لم يكن يتوقع أن يتم في سرعة.


MISS 3