كريغ سينغلتون

إقتراح بكين المزيّف يكشف شروطها للفوز بأي حرب في شرق آسيا

خطة الصين لإرساء السلام في أوكرانيا تتعلّق بتايوان

15 آذار 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون | أوزبكستان 16 أيلول 2022

بعد 12 شهراً من المواجهات الطاحنة، يبدو أن الصين تستطيع التأثير على نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا اليوم أكثر مما كانت لتفعل في بداية الصراع. كان دور بكين الأولي يقتصر على منح موسكو حبل نجاة مالي من خلال تعزيز مشترياتها لإمدادات النفط الخام والفحم الروسية بأسعار مُخفّضة جداً، تزامناً مع كسب أرباح غير متوقعة من زيادة الصادرات إلى روسيا بدرجة قياسية. لكن يبدو أن هذه الخطوات الصينية وتدابير جزئية أخرى تهدف حتى الآن إلى منح روسيا ما تحتاج إليه للحفاظ على اقتصادها الحربي بدل الفوز في الحرب.

في سياق مشابه، لا تهدف خطة السلام التي تقترحها الصين لحل أزمة أوكرانيا وتتألف من 12 نقطة إلى إرساء السلام في أوروبا. لا تتعلق المبادرة الصينية المحكومة بالفشل بإنهاء الحرب في أوكرانيا إذاً، بل إنها تتمحور بشكلٍ أساسي حول تحديد الشروط التي تسمح بالفوز في أي حرب مستقبلية على تايوان. بعبارة أخرى، تعترف الصين بأن أسباب الفشل الروسي في أوكرانيا تشبه تلك التي تُهدد خططها النهائية لإعادة توحيد البر الرئيسي مع تايوان.

عند قراءة اقتراح السلام المزيّف الذي تعرضه الصين بالشكل الصحيح، يتبيّن أنه قد يشكّل ركيزة لخريطة طريق يقودها الغرب لمنع تمدّد أي حرب في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. من الواضح أن الوثيقة الصينية التي تحمل عنوان «التسوية السياسية لأزمة أوكرانيا» تعكس مخاوف الصين من الشروط الراهنة في ساحة المعركة الأوروبية. حتى الآن، لا يزال إصرار الجهات العابرة للأطلسي على دعم أوكرانيا قوياً نسبياً، حتى لو كانت الديمقراطيات الغربية مضطرة للتعامل مع تكاليف قد تحرمها من إمدادات الطاقة الروسية ومواد خام أخرى. ورغم سقوط جنود روس في أوكرانيا بأعداد تفوق مجموع القتلى خلال الحروب الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واثقاً بقدرته على هزم أوكرانيا، ويمنعه عناده الفائق من تغيير مساره. في غضون ذلك، تتابع الصين تقديم مساعدات فتّاكة إلى روسيا بدرجات متفاوتة، لكن أصبح هذا القرار أكثر تعقيداً اليوم بعدما سرّبت واشنطن تفاصيل عن مداولات بكين الداخلية.

يبدو أن الرئيس الصيني، شي جينبينغ، يعجز عن سحب بوتين من حافة الهاوية. لكن لا يعني ذلك أنه يرغب في تحقيق هذا الهدف أصلاً. في الوقت نفسه، أدى رفض الصين إدانة الغزو الروسي إلى إضعاف مصداقيتها في أنحاء أوروبا، بما في ذلك النمسا، وبولندا، وكرواتيا، وهي بلدان تربطها علاقات تاريخية إيجابية مع بكين. كذلك، لا تتعلق التكاليف الصينية الغارقة بسمعة البلد فحسب، بل إنها تحمل طابعاً اقتصادياً متزايداً. فيما تلقي الحرب بثقلها على النمو العالمي، بدأ التخلّف عن سداد الديون يلوح في أفق العالم النامي، علماً أن بكين كانت قد قدّمت جزءاً كبيراً من هذه القروض. تُهدد الاضطرابات الاقتصادية أيضاً بإخماد الطلب العالمي على الصادرات الصينية، مثلما فشلت محاولات بكين لتحفيز الإنفاق الاستهلاكي المحلي، وهو عامل أساسي لتحريك عجلة التعافي الصيني وتجديد نموذج النمو المتعثر في البلد.

تُعتبر خطة السلام الصينية إذاً خطوة ذكية ومُضلّلة في آن، وهي تعكس اعترافاً شائكاً بأن الوحدة الغربية، وسلسلة العقوبات، وعدم استقرار سلاسل الإمدادات، واضطراب قطاع الحبوب المحتمل، قد تبدّل نزعة الصين إلى تغيــــير الوضـــــع في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

لاحظ الكثيرون في واشنطن، وبروكسل، وكييف، وأماكن أخرى، أن مناورة الصين الدبلوماسية لا تعكس مساراً عملياً لإرساء السلام في أوكرانيا. لكن يكشف الاقتراح الصيني، عند التمعن بمحتواه، الأسس البلاغية والقانونية التي ينوي البلد ترسيخها إذا قرر شي جينبينغ استرجاع تايوان بالقوة. كشفت سلسلة المناورات العسكرية التي نفّذها البلد في محيط الجزيرة، في شهر آب الماضي، الخطوط الهجومية التي تنوي الصين استعمالها على الأرجح في أي هجوم برمائي شامل ضد تايوان. اليوم، تكشف قائمة الشروط الواردة في خطة السلام الجديدة ما تنوي الصين فعله لتعقيد مساعي الغرب إلى تكرار الخطوات الأوكرانية خلال أي حالات طوارئ مستقبلية.

تقضي أبرز الشروط الواردة في خطة السلام بأن تتخلى الدول الغربية عن «عقلية الحرب الباردة» وتتجنب أي «مواجهة بين الكتل»: تشير هذه العبارات المشفّرة إلى نظام التحالف في الناتو واقتناع بكين بضرورة ألا تتلقى كييف المزيد من المساعدات العسكرية الغربية. لكنّ تعريف الصين لإخماد التصعيد العسكري يخفي دافعها الحقيقي: هي تريد أن تسيطر روسيا على أوكرانيا بعد توقف الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا. ينطبق ميزان القوى الذي تفضّله أيضاً على حالات الطوارئ في تايوان. ستفوز بكين بسهولة في أي مواجهة مباشرة بين الصين وتايوان. لكن إذا تمكنت تايوان من الاتكال على كمّ كبير من المعدات العسكرية الخارجية، والتدريبات، والدعم الاستخباري في الوقت الحقيقي، على غرار أوكرانيا، ستصبح جميع الاحتمالات واردة. تتابع بكين إذاً التركيز على إضعاف قدرة اللاعبين الدوليين على زيادة المخاطر الاستراتيجية التي تطرحها القرارات الصينية، وتحاول في الوقت نفسه استغلال الانقسامات بين حلفاء واشنطن.

كان لافتاً أيضاً أن ترفض الخطة الصينية أي عقوبات أحادية الجانب بشكلٍ قاطع، إذ تعتبرها الصين انتهاكاً للقانون الدولي. تفضّل الصين من جهتها التحاور حول التدابير المرتقبة في مجلس الأمن، حيث تملك بكين وموسكو حق النقض. من الواضح أن نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا أجّج مخاوف بكين من تعرّضها يوماً لعوائق اقتصادية من هذا النوع. لجأت روسيا إلى الصين الأقوى منها اقتصادياً لتلقي الدعم الذي تحتاج إليه، لكن ستحارب بكين وحدها إذا خضعت لعقوبات مماثلة. هذا الواقع الشائك يفسّر توسّع النزعة الصينية إلى الاكتفاء الذاتي، إذ تهدف هذه المقاربة إلى حماية اقتصاد البلد من أي عقوبات محتملة. تشمل هذه التدابير طرح خطة تجارية لتبادل السلع بعملة اليوان، وتطوير نظام مدفوعات عابر للحدود بين البنوك، بدعمٍ من اليوان الرقمي، لتمكين الكيانات الخاضعة للعقوبات من التحايل على شبكة المدفوعات العالمية «سويفت» التي يتحكم بها الغرب.

هذا الخوف من العقوبات يفسّر دعم الخطة الصينية للحفاظ على «استقرار سلاسل التصنيع والإمدادات». يثبت تردد الشركات الصينية (الكبيرة أو الصغيرة، والشركات الخاصة ظاهرياً أو المدعومة من الدولة) في تجاوز عتبة العقوبات أن حملة الصين الرامية إلى تحصين نفسها من قيود التصدير الغربية لا تزال قيد التطوير. اتّضح هذا الواقع في ردّ الصين الضعيف على القيود الأميركية في مجال أشباه الموصلات. تشعر بكين بالقلق من التعرّض للهزيمة إذا أساءت إلى الولايات المتحدة نظراً إلى اتكالها على الأسواق والتقنيات الغربية. من الواضح أن روسيا وقعت ضحية هذا الفخ. لكن من خلال الالتزام بسلاسل القيمة العالمية بطرقٍ تعجز عنها روسيا، تأمل بكين في التأثير على المداولات الغربية المتعلقة بتايوان بدل أن تتأثر هي بالخطوات الغربية.

تشمل الخطة في نهايتها مسألتَين أساسيتَين: «وقف الأعمال العدائية»، و»احترام سيادة جميع الدول». يثبت البند الأول أن بكين تدرك استحالة استمرار هذه الحصيلة من الخسائر البشرية الروسية وضرورة أن تعيد موسكو تجميع قواتها العسكرية. أما البند الثاني، فهو دليل على نزعة الصين إلى عدم اعتبار اختراق روسيا للحدود الأوكرانية مرادفاً لانتهاك سيادة كييف. لكنّ هذا العامل لا يؤثر على وضع بكين، فهي مقتنعة بأن تايوان تفتقر إلى الحدود والسيادة في آن. على عكس ما حصل في أوكرانيا، يبقى احتمال لجوء تايوان إلى القانون الدولي محدوداً بعد تعرّضها لأي غزو، نظراً إلى استبعاد تايوان التعسفي من نظام الأمم المتحدة، والتزام الغرب بخرافة «الصين الموحّدة»، وتراجع شبكة البلدان التي تعترف بتايبيه.

باختصار، تدرك بكين أن أي خطة لاسترجاع تايوان ترتكز على عرض الشروط الاثنتي عشرة الواردة في خطة السلام الخاصة بأوكرانيا والالتزام بها في المرحلة اللاحقة. في السنوات الأخيرة، اتخذت واشنطن خطوات كبرى لتقوية شبكة تحالفاتها في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، ولتحسين اصطفافاتها ودعم قدرات شركائها الإقليميين. تستمر الجهود أيضاً لإضعاف هيمنة الصين على سلاسل الإمدادات في قطاعات محددة ومنع بكين من السيطرة على معادن أساسية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

لكن لإضعاف الركائز الاستراتيجية الصينية الأخرى، تبرز الحاجة إلى بذل جهود مضاعفة في المرحلة المقبلة. في المقام الأول، يُفترض أن تُسرّع الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، المهمّة الصعبة التي تقضي بتحديد ونشر الخطط التي تسمح بفرض نظام عقوبات قوي وتلقائي إذا قررت الصين حشد قواتها العسكرية لتنفيذ عملية غزو، أو إذا أطلقت هجوماً مباشراً من هذا النوع. كذلك، يجب أن تُعمّق الديمقراطيات علاقاتها التجارية والصناعية مع تايوان بطريقة انتقائية، فتُخفف اتكال الجزيرة الاقتصادي على الصين تزامناً مع استعمال نفوذها لتعزيز مشاركة تايوان الشرعية في المنظمات الدولية. أخيراً، يُفترض أن تفكّر الدول الغربية باستعمال أبرز نقاط ضعف الصين (والمبادئ الأخرى في خطة السلام التي تقترحها) كسلاح بحد ذاته من خلال التهديد باستغلال اتكالها المفرط على الدول الخارجية لتلقي المواد الغذائية، وهي السلع الأكثر ارتباطاً بالاستقرار السياسي في الصين وقد تزعزع حسابات شي جينبينغ التي تسبق أي غزو محتمل. لكن تبقى هذه الخطوة مثيرة للجدل.

إستنتج بوتين بأصعب الطرق أن شن الحرب بناءً على فرضيات شائبة قد يؤثر على فرص النصر أو احتمال الوصول إلى طريق مسدود. نتيجةً لذلك، قد يكون إضعاف فرضيات شي جينبينغ حول أي مواجهة محتملة في تايوان أفضل طريقة لتجنب هذا النوع من المواجهات مسبقاً.


MISS 3