جاد حداد

Faraway... كوميديا رومانسية مُكرّرة

16 آذار 2023

02 : 00

يدخل الفيلم الألماني Faraway (رحلة بعيدة) في خانة الكوميديا الرومانسية، وهو من بطولة نعومي كروس التي تجسّد شخصية امرأة متوترة تستغل أول فرصة تحصل عليها للهرب من حياتها المضطربة، ولو لفترة قصيرة، أو ربما إلى الأبد. هي تريد الابتعاد عن عائلتها البغيضة والمتطلبة والجاحدة للذهاب إلى مكانٍ يفوق بجماله كل ما يمكن رؤيته في البطاقات البريدية الخاصة بالعطلة.

تكون "زاي" (كروس) محاطة بأسوأ الأشخاص في عائلتها. يستمتع زوجها "إلياس" (عدنان مارال) بوقته وينشغل بتقطيع الخضار مع الموظفة الشابة الجديدة في مطعمه التركي، فلا يجد الوقت لحضور جنازة والدتها. أما والدها (فيدات إرينجين)، فهو رجل غير منطقي وسريع الانفعال. هي تتعامل أيضاً مع ابنتها المراهِقة "فيا" (بهار بالجي) وجميع المشاكل التي تواجهها في هذه المرحلة الشائكة. باختصار، تشعر "زاي" بإحباط شديد.

تعرف "زاي" بعد الجنازة أنها ورثت كوخاً سرياً يعود إلى والدتها في كرواتيا. هي لا توضّب أي حقيبة للرحلة، بل تركب السيارة فوراً وترحل من ألمانيا الصاخبة إلى مكان هادئ ومشمس على شاطئ البحر، حيث يكاد قطيع من الأغنام يدوسها، وتقف في ذهول تام حين تشاهد السكان المحليين وهم يشربون الحليب الطازج فور خروجه من الماعز. لكن قبل حصول ذلك، تصل "زاي" إلى الكوخ في ظلمة الليل، وتتجه من الباب إلى السرير مباشرةً، وتستيقظ في اليوم التالي إلى جانب رجل اسمه "جوسيب" (غوران بوغدان).

سرعان ما يتبيّن أن والدة "زاي" اشترت المكان من عائلة "جوسيب" وأخبرته بأنه يستطيع البقاء هناك حتى وصول شخصٍ آخر للمطالبة به. بعد وصول "زاي"، ينصب "جوسيب" خيمة في الحديقة لأنه لا يزال يملك تلك القطعة من الأرض. ثم تقصد "زاي" متجراً في البلدة وتكتشف أنه يعمل هناك، ثم تذهب إلى مطعم وتجده هناك أيضاً. هي لا تستطيع الهرب من ذلك الرجل مهما فعلت، وتريد تجنّبه بأي طريقة في المرحلة الأولى لأنهما لا يكفان عن مضايقة بعضهما. سرعان ما تتبدّل العلاقة بينهما طبعاً، كما يحصل في هذا النوع من القصص. تستشير "زاي" خبيراً عقارياً (أرتجوم غيلز) بشأن بيع المنزل مقابل مبلغ ممتاز، لكن يبذل "جوسيب" قصارى جهده لإقناعها بأن الشخص الذي سيشتريه سيقرر تأجيره للسياح ولا مفر من أن يفسده. قد يكون هذا النوع من الأماكن كفيلاً بجعل امرأة ذكية مثل "زاي" تعيد النظر بجميع الأحداث البغيضة في حياتها العصيبة وتتردد في العودة إليها.

تحافظ كروس على حضورها الجذاب وتضمن تماسك الفيلم رغم تعثر السيناريو في لحظات كثيرة. لا يمكن اعتبار العمل مميزاً ومختلفاً عن غيره، فهو يلتزم بصيغة الكوميديا الرومانسية المألوفة التي تنطلق من قصة الهرب إلى مكان بعيد، وقد يتعلق الاختلاف الوحيد على الأرجح بعمر بطلة القصة، فهي في الخمسينات من عمرها، وتفكر بمسائل أخلاقية عدة بعد وفاة والدتها، وقد تكون جاهزة لتغيير حياتها وتدرك أنها لن تُحقق ذلك التغيير بفضل رجلٍ وسيم ومفتول العضلات بل عبر رجل محترم يناسب عمرها. قد يكون هذا التحليل أعمق من الأفكار التي يطرحها صانعو العمل، إذ تبقى خطوط السيناريو مبسّطة أكثر من اللزوم، ولا تتعامل الشخصيات عموماً مع مسائل بعيدة عن الحبكة الرئيسية مثل مشاعر الحزن، أو الخسارة، أو اكتشاف الذات. باختصار، يُركّز الفيلم على عرض محتواه السطحي بكل بساطة.





لكن لا يعني ذلك أن الفيلم يفتقر إلى الجوانب الممتعة والترفيهية. يعطي أسلوب كروس الودّي أثراً إيجابياً في جميع مراحل القصة، حتى لو كان السيناريو يخذلها في بعض اللحظات. كذلك، يتّسم العمل بتصوير سينمائي جميل. يكفي أن نتخيل ما كان ليؤول إليه هذا الفيلم، حيث تبدو العلاقة بين البطلين سخيفة، والشخصيات سطحية، والخطوط السردية متوقعة، لو لم يعرض صانعو العمل مناظر طبيعية خلابة في أرياف كرواتيا الساحرة بهذا الأسلوب الفخم. لكن حتى هذا العامل لا يكفي لتقديم قصة مقنعة، إذ تبدو زوايا التصوير وأساليب المونتاج غريبة في معظم الأوقات، وتبقى الجوانب الكوميدية صاخبة ونادراً ما تترافق مع أكثر من ابتسامة خفيفة. كذلك، يبدو السيناريو جامداً لدرجة ألا نعرف إذا كانت البطلة امرأة عاملة، ويصعب أن نتعلّق عاطفياً بتفاصيل القصة المعروضة. ينعكس هذا الوضع سلباً على كروس لأن هذه الجوانب السخيفة تنطلق من الفكرة القائلة إن "زاي" امرأة قديرة تستحق سعادة تفوق ما تعيشه بأشواط.


MISS 3