كلير شكر

الثلاثي السنّي في الرياض... لـ"تصليب عود" الحريري

15 تموز 2019

10 : 45

لا يعتبر الرئيس فؤاد السنيورة من هواة عدسات الكاميرا وميكروفونات المنابر، لقناعته ربما، أنّه لا يتمتع بموهبة "النجومية" على المسارح السياسية. وقع تعابيره ثقيل، وكذلك حضوره. ولذا لا يفضّل الركون إلى هذه اللعبة إلا اذا اضطره الأمر، كما حصل مثلاً حين اشتدت الحملة ضدّه على خلفية الـ11 مليار دولار "المفقودة" في "أقبية" وزارة المال. ولكنه في المقابل من المدمنين على العمل السياسي، حتى لو وضعته الظروف على مقاعد المتفرجين، وفي خلفية المشهد الأمامي.

هكذا، حوّل كل تركيزه منذ أن أحيل إلى "التقاعد النيابي"، وحتى قبلها، إلى إدارة خلية معالجة الأزمة التي ضربت "الحريرية السياسية". كُثر من حول رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لا يصدّقون "طوباوية" هذا المسار، ويغمزون من "شيطانية" بعض النوايا الكامنة في حراك السنيورة ومن قرروا الالتفاف حوله في ما سمي "مجموعة العشرين".

بالأساس، يعاني نجل الرئيس رفيق الحريري من هاجس الشك بكامل الطبقة السياسية. تجاربه المريرة جعلته يعاني انعدام الثقة. لكنه تعلّم كيف "يقرّش" الرمادية في حراك المحيطين به، والمفترض أنهم من قماشة الأصدقاء والحلفاء مزيداً من المكاسب، فيحيلها "نقطة سوداء" قد تعكّر صفو صفّه، ليواجه بها شركاءه في التسوية الرئاسية، تحت عنوان ضغط يُمارس عليه من أبناء بيته.

وقد نجح في توظيف الاصطفاف السني الذي شكلته نواة رؤساء الحكومة السابقين بشكل يناسب أجندته، ولو أنّ حركة هذه النواة لم تحمل نفساً اعتراضياً "فاقعاً" بوجهه، لكنه تمكن من "استيعاب" هذه الوجوه، والعمل على استثمار "يافطتها" لمصلحته.

عملياً، التقاطع بين الرئيس الحريري والرؤساء السابقين السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، يكاد يكون محدوداً، فلكل منهم حساباته ومقارباته، ولكنهم جميعاً يلتقون عند خطّ وسطي اسمه حماية مكانة رئاسة الحكومة.

يردد السنيورة منذ مدة على مسامع زواره، أنّ مصير الحريرية السياسية، ومعها طبعاً السنية السياسية، يتوقف على خيار مزدوج ينبغي الالتزام به:

- أولاً، ضرورة الإلتفاف حول الحريري، "كون لا بديل عنه في هذه المرحلة، ولا عن شرعيته"، واستطراداً "تصليب" عوده، عبر إعادة انتاج خطاب سياسي يستند إلى الدستور وإلى المرجعيتين العربية والدولية المتمثلة بحزمة القرارات الدولية.

- ثانياً، العمل على إعادة إعمار الخيمة العربية فوق لبنان، والتي تشكل السعودية عمودها الفقري، في ضوء "اللامبالاة" السياسية التي شرّعت المسافات بين القيادة السعودية وبيروت. كل ذلك، في سبيل هدف محدد: "ترميم" سعد الحريري. لا يحب السنيورة هذا المصطلح كما يردد أمام زواره. يُقال إنّ الدكتور رضوان السيد هو من ابتكره، لاعتقاده أنّ تقوية عود الحريري هو الممر الآمن للطائفة برمتها.

هكذا، صبّ السنيورة جهوده قبيل استحقاق طرابلس الفرعي على خط العلاقة بين الحريري ووزير العدل السابق أشرف ريفي، ونجح في معالجة "الأعطاب" التي كانت تمزّق هذه العلاقة، لكنها بقيت من دون متابعة جدية ما دفع وزير العدل السابق إلى "التفلّت" ورفع الصوت من جديد.

بذل السنيورة مجهوداً على خطّ الحريري- ميقاتي- ريفي. في المقابل حاول التصدي لحركة وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، فسارع إلى نظم بيان رؤساء الحكومة السابقين، حين "نصب" المشنوق كميناً لفورة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل من أمام دار الإفتاء.

لكن نظرية "الترميم" لا تستقيم إلا في إعادة وصل العلاقة مع المملكة السعودية، فيما يبدو أنّ السنيورة ينقل لزواره أنه اشتكى في الفترات الأخيرة من "ضياع بوصلته" في السعودية الجديدة. وتقدم الرؤساء الثلاثة، أي هو وسلام وميقاتي منذ أكثر من أربعة أشهر بطلب "موعد مشترك" في الرياض... إلى أنّ تمّ تحديد الموعد اليوم.

تقول المعلومات إنّ أصدقاء مشتركين هم من دخلوا على الخط، وقادوا الاتصالات مع مسؤولين سعوديين لترتيب اللقاء الذي لا يهدف بشكل أساسي إلى استفزاز الحريري بالمعنى السلبي، وإنما دفعه أكثر إلى تصليب موقفه، انطلاقاً من النظرية التي تقول إنّ حراكاً من هذا النوع سيزيد من حماسة رئيس الحكومة الحالي ويدفعه إلى "التطرّف" في مواقفه تجاه شركائه الحكوميين. كما أنّ "الثلاثي" حرص، وفق المعلومات، على التشاور مع الحريري في تفاصيل الزيارة، منذ اللحظة التي تقدموا فيها بطلب الموعد إلى حين وضع جدول أعمال الاجتماعيْن المرتقبين اليوم: مع الملك السعودي ونجله ولي العهد. كما التقوه عشية سفرهم إلى السعودية.

عملياً، أرسل الحريري في الأيام الأخيرة الكثير من الإشارات التي تثبت أنّه في صدد مراجعة خطواته الداخلية. فقد وضع كومة الخلافات مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط خلف ظهره، وقرر توسيع بيكار التشاور مع رئيس "حزب القوات" سمير جعجع. وكل ذلك في سبيل فرملة "نهم" باسيل السياسي. فيما يبدو أنّ جلوس الثلاثي السني في الرياض، خطوة متممة على طريق تحميس الحريري على مزيد من "المشاغبة".


MISS 3