وليد شقير

"توقيت" زيارة ليف: غياب السلطة

28 آذار 2023

02 : 05

المفارقة أنّ السجال الطائفي بين الفرقاء اللبنانيين على القرار العشوائي الذي اتخذه «رئيس السلطة التنفيذية» المفترض، نجيب ميقاتي بناء لإلحاح رئيس السلطة التشريعية نبيه بري، يستند، وفق الجهات التي عارضت القرار إلى الحجة المنطقية بأنه لا يجوز عزل البلد ومصالحه عن العالم، بينما العالم غير مهتم إذا كان لبنان يلتحق بركبه أم لا، لأنّ الانقسام الداخلي أخذ البلد إلى الانهيار. والعالم ينتظر من الفرقاء اللبنانيين أن يقوموا بما عليهم إن لجهة تكوين السلطة، أو لجهة الإجراءات المطلوبة للنهوض بالاقتصاد.

لا داعي لتفنيد أضرار قرار تأخير التوقيت الصيفي، العملية والسياسية، في سياق الصراع حول القرار لمن في السلطة المتهاوية، ولا حول مفهوم الدولة معها. فالسجال الذي دار، لا يدل إلا على مدى التفكك والاهتراء، وعلى القرارات الاعتباطية والعبثية. وهو تفكك واهتراء عمرهما يفوق مواقيت عداد الوقت الذي يتبجح البعض بتحديده على أنهما بدآ في زمان تبوؤ فلان أو غيره السلطة. فبعض الذين يتشدّقون بأنهم من رواد الإصلاح ويدعون أنهم يريدونه وهمهم في الموقف من المرشحين للرئاسة وفي المواصفات التي يطرحونها للرئيس المقبل، يظنون أنهم يخدعون الخارج بأنهم التقطوا اللحظة للظهور بمظهر الراغب بذلك الإصلاح. هؤلاء همهم تعبئة جمهورهم بما يخدم بقاءهم في سدة الزعامة.

قبل موقعة التوقيت الصيفي، كان «العالم» المهتم بلبنان يدرك كم أنه بلغ وضعاً مزرياً جراء غياب سلطة فعلية فيه، تصدق القول إنّها تلتزم الإصلاح الذي أولى مقوماته انتظام عمل المؤسسات الدستورية، بدءاً من انتخاب رئيس. يكفي العودة إلى ما قاله تقرير بعثة صندوق النقد الدولي عن بطء الإصلاحات التي يفترض أن تقرها السلطتان التنفيذية والتشريعية، وعن الحاجة إلى تعديل ثلاثة قوانين صدرت عن السلطتين (أحدها لم تتم المصادقة عليه بعد هو الكابيتال كونترول). فنصوصها حسب البعثة لا تفي بالغرض الإصلاحي، الذي من دونه سيغرق لبنان في الأزمة التي «لا نهاية لها».

حتى اللقاءات التي يجريها الموفدون الأجانب مع المسؤولين، تتم على أساس أنّ هؤلاء يمثلون طوائفهم فقط وليسوا محاورين من موقع السلطة الرسمية، أو يمثلون الدولة ومؤسساتها. آخر الشواهد زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف الاستطلاعية حول ما آلت إليه الأزمة، على وقع ما خلصت إليه بعثة صندوق النقد.

المسؤولة الأميركية التقت رئيس البرلمان بصفته ممثلاً للطائفة الشيعية ورئيس الحكومة بصفته ممثلاً للطائفة السنية في التركيبة الحاكمة، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بصفته ممثلاً للطائفة الدرزية. لكنها اجتمعت أيضاً مع خمسة نواب من الطائفة السنية في السفارة هم عبد الرحمن البزري، فؤاد مخزومي، ابراهيم منيمنة، وضاح الصادق وبلال الحشيمي، كدلالة على اعتبار الجانب الأميركي أنّ ميقاتي لا يمثل وحده وجهة النظر السنية وإقراراً منه بوجود تعددية وربما تشتت في المواقف ضمن الطائفة، خلافاً للحال في ما يخص الطائفتين الشيعية والدرزية. لكنها لم تجتمع بالمرجعية المسيحية المشتتة هي الأخرى، نظراً إلى الفراغ في الموقع الذي يمثل المسيحيين في هذه السلطة المفترضة، وإذا التقت أحد القادة المسيحيين دون الآخرين، كان ليبدو الأمر على أنه تفضيل لجهة على أخرى.

لكن هناك سبباً آخر لتجنب اجتماع ليف مع أي من القيادات المسيحية هو أن الإدارة الأميركية تقود حواراً معمّقاً مع الفاتيكان حول الوضع في لبنان، بمبادرة صامتة من الأخير، تشمل أوضاع المسيحيين ودورهم في البلد، في ظل الصراعات القائمة بينهم، وانعكاسها على هذا الدور، بالإضافة إلى أولوية انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق مع سائر القوى السياسية والطوائف. وبالتالي هي تستعيض عن الاستماع إليهم بالاستماع إلى الكرسي الرسولي والتعاون معه حول لبنان.

اعتبر من لاحظوا انتقائية لقاءات ليف، التي أوضحت أن زيارتها هي إلى المنطقة أساساً، والتي شملت الأردن، مصر، ليبيا وتونس، شملت لبنان لأنّه مهم بالنسبة إلى حكومة بلادها، أنها أرادت أن تظهر الاهتمام الأميركي بضرورة تسريع انتخاب رئيس للجمهورية ووجوب ترجمة الحوار اللبناني مع صندوق النقد الدولي إلى أفعال بتحقيق الإصلاحات. لكن هؤلاء يعتقدون أنّ حالة انعدام الوزن في البلد بفعل غياب سلطة فعلية وراء تشجيعها النواب على التواصل والمساهمة في تسريع الحوار مع صندوق النقد.


MISS 3