بريت سيمبسون

النروج تُخطّط للإستفادة من التغيّر المناخي

7 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشار روبرت هابيك، ووزير النفط والطاقة النرويجي تيري آسلاند، ووزير التجارة والصناعة النرويجي جان كريستيان فيستري خلال زيارة لشركة الهيدروجين NEL في هيرويا | النرويج ، 6 كانون الثاني 2023

في بداية كانون الثاني، بدأ نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، أول مهمة دبلوماسية له في السنة الجديدة، فكثّف مساعيه لإنشاء خط أنابيب خاص ببحر البلطيق. لكن لا علاقة لهذا المشروع بالغاز الروسي أو خط "نورد ستريم" المثير للجدل. في يوم مثلج في عاصمة النروج أوسلو، وقف هابيك أمام خلفية زرقاء مزيّنة بشعار النبالة النروجي، وفصّل رؤية مبنية على إنشاء قناة بطول 750 كيلومتراً باتجاه ذلك البلد الشمالي لجلب 4 ملايين طن متري من وقود الهيدروجين إلى ألمانيا سنوياً بحلول العام 2030. قال هابيك: "النروج أهم جهة تزوّدنا بالطاقة اليوم، ويُفترض أن تبقى كذلك فيما نتجه إلى مستقبل محايد مناخياً".



بعد فترة قصيرة على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في السنة الماضية، أصبحت النروج البديلة المناسبة عن البترول الروسي، فتحوّلت سريعاً إلى أهم مصدر للغاز في أوروبا وإلى مصدر أساسي للنفط الخام. بالنسبة إلى رئيس الوزراء النروجي، يوناس غار ستوره، اتّسم العام 2022 بمهام دبلوماسية بارزة في أنحاء أوروبا تمهيداً لإطلاق الشراكات في قطاع الطاقة أو تقويتها. في آذار 2022، أدلت رئيسة الوزراء الدنماركية، مته فريدريكسن، في مؤتمر صحافي مشترك مع ستوره، بموقف يُجمِع عليه عدد كبير من القادة الأوروبيين على الأرجح، فقالت: "أنا أفضّل تلقي الطاقة من النروج بدل روسيا".

قاد هابيك، ممثل "حزب الخضر" في ألمانيا، جهود بلده للتخلص من الهيدروجين الأزرق. في العام 2022، شارك في إنشاء تحالفات مزعومة في قطاع الهيدروجين مع كندا وأستراليا لتلقي الهيدروجين الأخضر حصراً. وفي منتصف كانون الثاني 2022، أعلن هابيك أن حزمة دعم أسعار الهيدروجين في ألمانيا لن تشمل الهيدروجين الأزرق.

لكن ستكون أول شحنة هيدروجين من النروج (4 ملايين طن متري) زرقاء، في البداية على الأقل. وفق اتفاق مشترك بين الدول حول شحنات الهيدروجين، سيتحول خط الأنابيب تدريجاً إلى مُزوّد للهيدروجين الأخضر المتجدّد. لكن لم يتحدد أي برنامج زمني لهذه العملية الانتقالية. يقول فيليكس شينويت، عالِم سياسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "كان تنازل هابيك في مجال الهيدروجين الأزرق مفاجئاً. من الواضح أن النروج تتمتع بخبرة واسعة في تنظيم هذه العلاقات، فهي أقنعت وزيراً من حزب الخضر بتلقي الهيدروجين الأزرق".

كجزءٍ من الاتفاق، التزمت ألمانيا أيضاً بتشييد بنية تحتية للهيدروجين. هذا الشهر، بدأ العمل على بناء أول جزء من خطوط أنابيب الهيدروجين المُخطط لها في أوروبا في منطقة "ساكسونيا". كذلك، أبرم البلدان اتفاقيات أخرى على نطاق أوسع، منها مشاريع مشتركة في مجالات مثل طاقة الرياح البحرية، والبطاريات، والشحن الأخضر، وخط أنابيب لنقل الكربون من ألمانيا إلى الجرف القاري النروجي. في الوقت نفسه، وافقت ألمانيا على التعاون لتطبيق معايير التقاط الكربون وتخزينه في دول الاتحاد الأوروبي، ما يشير على الأرجح إلى احتمال أن تُسهّل ألمانيا هذا النوع من العلاقات في أنحاء أوروبا.

لكن يقف عائق كبير حتى الآن في طريق الصعود النروجي في مجال التصدير: النروجيون العاديون. في الوقت الراهن، لا تحظى حكومة ستوره بأي شعبية محلية بسبب تحليق تكاليف الطاقة في زمن الحرب. لكن على عكس السكان في بلدان أوروبية أخرى، لا يعتبر النروجيون تلك التكاليف حتمية نظراً إلى الاستثمارات التي موّلها دافعو الضرائب طوال عقود لضمان استقلالية بلدهم في قطاع الطاقة. كان ستوره، المدافع الشرس عن "الترابط العالمي"، قد دعم شبكات الكهرباء العابرة لأوروبا، وجهّز طاقة الرياح البحرية بكابلات هجينة تتّصل بالبر الرئيسي الأوروبي. لكن في السنة الماضية، أنتجت هذه الروابط نقاط ضعف في أسواق الطاقة الأوروبية المتقلبة. يقول بارد لان، باحث مرموق في مركز المناخ الدولي والأبحاث البيئية في النروج، إن ردود الأفعال الراهنة تعكس وجهة نظر معيّنة محلياً: ينتج النروجيون البترول لبيعه، وينتجون الطاقة المتجددة لاستعمالاتهم الخاصة.

يضيف لان: "في الوقت الراهن، أصبحت صادرات الطاقة النظيفة مثيرة للجدل أكثر من صادرات الوقود الأحفوري بكثير داخل النروج، ويعكس هذا الوضع مفارقة كبرى".

يزداد الوضع تعقيداً لأن الطاقة النظيفة لن تدرّ الأموال النقدية التي يوفرها الوقود الأحفوري يوماً. على عكس المكاسب المشتقة من نقل البترول في السنة الماضية (121 مليار يورو)، حصدت النروج حوالى مليار يورو فقط مقابل صادرات الطاقة المتجددة. ورغم شراكاتها الجديــــدة والطموحة، لا تزال التقديرات تشير إلى بلوغ تلك القيمة 8 مليارات يورو فقط بحلول العام 2030. يقول لان إن الفرق في العائدات المحتملة يبقى شاسعاً لدرجة أن تعجز أكثر الخطط المكثفة في مجال تصدير الطاقة المتجددة عن أداء دور متوسّع للتعويض عن عائدات الوقود الأحفوري المفقودة.

يتابع النروجيون دعم قطاع البترول على نطاق واسع، وهم يجيدون التعايش مع هذا النوع من المفارقات. كانت الأزمة الأخيرة التي أنتجتها الحرب الروسية إيجابية بالنسبة إلى أجندة الوقود الأحفوري المكثفة في البلد الأخضر. في العام 2021، انتقد الاتحاد الأوروبي النروج لأنها تتابع استكشاف الوقود الأحفوري في القطب الشمالي. أما اليوم، فيتكل الاتحاد الأوروبي على تلك الإمدادات على وجه التحديد. كذلك، تخوض النروج توسعاً طموحاً: في تشرين الثاني الماضي، أعلنت شركة البترول "إيكوينور" عن استثمار 1.44 مليار دولار لإنشاء حقل غاز جديد في البحر النروجي، فضلاً عن اكتشافات مزعومة من هذا النوع في بحر "بارنتس"، في وقتٍ سابق من السنة. وفي الأسبوع الماضي، عرضت الحكومة النروجية على شركات الطاقة 92 مساحة جديدة لاستكشاف البترول في القطب الشمالي. (اقتصر هذا العدد على 28 منطقة في العام 2022).

أدى تعنّت النروج بشأن البترول إلى تباطؤ اتفاق قابل للتجديد مع بقية دول الاتحاد الأوروبي. في شهر شباط الماضي، بدأت النروج والاتحاد الأوروبي يستكشفان "التحالف الأخضر"، وطرح الاتحاد مسودة اتفاق خلال قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي في مصر. لكن غادر الطرفان من دون إصدار أي قرار بهذا الشأن، ولم يتوصلا إلى أي اتفاق مماثل حتى الآن.

يقول أندرياس بيلاند إريكسن، وزير الدولة في وزارة الطاقة والبترول النروجية، إن تشدّد الاتحاد الأوروبي في ملف البترول يُعتبر موقفاً "مخيّباً للآمال". في حزيران الماضي، حين بلغت الاضطرابات في قطاع الطاقة ذروتها تزامناً مع احتدام الحرب، وقّع نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فالديس دومبروفسكيس، على بيان مشترك حول مشاريع الطاقة مع النروج. تطرّق ذلك البيان إلى زيادة اتكال أوروبا على النروج، واعترف باستمرار احتياطيات البترول الكبرى في القطب الشمالي النروجي، وأعلن أن البلد "يستطيع القيام باكتشافات جديدة وإحداث تطورات ميدانية عن طريق الاستكشاف المتواصل، ولا يزال مُورِداً أساسياً لأوروبا على المدى الطويل وبما يتجاوز العام 2030".

من وجهة نظر لان، قد تسمح شراكة النروج مع ألمانيا بإعطاء دور جديد للوقود الأحفوري النروجي، بما يخدم العملية الانتقالية نحو الطاقة المتجددة. تبدي شركات البترول النروجية اهتماماً كبيراً بنزعة الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الهيدروجين الأزرق كمصدر للطاقة النظيفة، وقد يُمهد خط أنابيب الهيدروجين الأزرق، بدعمٍ من أبرز قادة الحملات البيئية في الاتحاد الأوروبي، لتشريع موقفها.

قد لا تضاهي الطاقة المتجددة عائدات البترول يوماً، لكن يظن إريكسن أن النروج تستطيع تصدير سلع مختلفة عن المواد الخام. يتمتع قطاع البترول النروجي مثلاً بخمسين سنة من الخبرة في مجال بناء المحطات العائمة التي تضمن تطوير طاقة الرياح البحرية العالمية. كذلك، يملك البلد خبرة مدتها 25 سنة في تقنيات التقاط الكربون وتخزينها، ويشمل قطاعات كاملة لإنتاج رياح عالية الأداء، وطاقة كهرمائية، وبنى تحتية للهيدروجين. فيما تتخذ أوروبا مواقف جدّية من مصادر الطاقة المتجددة محلياً، يتوقع إريكسن أن تتابع النروج تحقيق المكاسب من خبراتها الواسعة.

يظن شينويت من جهته أن صعود النروج قد يكون وليد اللحظة. لا شك في أن الأسواق ستصبح أكثر تنوعاً وستنشأ علاقات جديدة لتلبية حاجات محددة في مختلف البدان. على عكس ألمانيا، تملك فرنسا الطاقة النووية مثلاً، ما يعني أنها لن تقرر يوماً استيراد الهيدروجين الأزرق. وبعد بناء شبكة أوروبية مترابطة وقائمة على معايير المرونة والتقارب، لن تنتج حقبة الطاقة المقبلة على الأرجح حجم الاتكال الذي شهده عصر الوقود الأحفوري.

يضيف شينويت: "أكثر ما يثير الاهتمام هو تقييم قدرة النروج على اقتناص هذه الفرصة لقيادة قطاع الطاقة من خلال اتخاذ موقف جريء وعاجل ضد القطاع الذي سمح بنموها. مع مرور الوقت، سيخضع النروجيون للتدقيق لمعرفة ما فعلوه خلال هذه الحرب ومدى جدّيتهم في جعل هذه الأنظمة صديقة للبيئة. قد لا يحصل ذلك في هذه السنة، ولا حتى خلال خمس سنوات، لكن ستواجه النروج يوماً أسئلة شائكة حول سرعة تحرّكها".


MISS 3