جوزيفين حبشي

رندة كعدي في "هردبشت": يدها والكف وتصفيقنا لن يكفّ

13 نيسان 2023

02 : 01

"يا أمي بلا مشاكل، قوّصو وطلاع عالبيت"… الصيت لأهل الشمال، والفعل لإبنة البقاع الرائعة رندة كعدي، بدور "أم حسين"، أم شيعيّة من الضواحي البيروتية الفقيرة في فيلم "هردبشت" (كتابة وإخراج أول لمحمد الدايخ، وإنتاج أمير فواز). هذا الفيلم الصادم بواقعيته، المؤلم بحقيقته المقدمة من دون تلميع، الفج بمقاربته للحياة وقساوتها الشوارعية في الأحياء الشعبية والفقيرة والمُهمّشة والغارقة في الفوضى ما بين الاوزاعي والشياح، ينطلق في الصالات اللبنانية مع ذكرى الحرب اللبنانية (13 نيسان)، ويُكتب ويُقال الكثير الكثير فيه وبجرأته وقسوته وقوته وطبيعية الأداءات التي يستحيل أن نفكر للحظة أنها مجرد "تمثيل".

ولكن ما سأقوله اليوم تحديداً يخص رندة كعدي دون سواها من كافة الممثلين المشاركين في الفيلم، والذين يستحقون كلهم بلا إستثناء (المحترفين والجدد) أن تُفرد لهم صفحات وأن تُرفع لهم القبعات (حسين قاووق وحسين دايخ ومحمد عبدو وغبريال يمّين وفؤاد يمّين وألكسندرا قهوجي).

رندة كعدي، هذه الطاقة الفنية التي لطالما تمّ حصرها بدور الأم الطيبة الحنونة، نجحت دائماً أن تكسر الحدود، وتحطّم التكرار لتحلّق بنا في كل مرة ودور ومسلسل وفيلم (قصير) إلى فضاءات جديدة لهذه الشخصية الايقونية، إلى أن... إنطلقت أخيراً بفيلم طويل أول (لطالما تمنت خوض غماره) وأطلقت علينا من خلاله نحن الجمهور رصاصة أداء وإبداع.

أم، يدها والكف، لسانها والشتيمة باللهجة الجنوبية، غضبها وبيئة الفقر والجهل والقسوة التي تربّت وربّت أولادها فيها، لتصبح هي وهم الضحية والجلاد في الوقت عينه.

أم، عيناها كالنار والبارود، لسانها كرشاش M16، قلبها كحجر يتحول رصاصة في قلب كل من يهدد حياة أولادها حسين وأبو الفضل وحمودة. إثنان يحتميان بالقتل والمخدرات والزعرنة والتشبيح للبقاء على قيد "ما يشبه الحياة"، وثالث يلتجئ للدين هرباً من واقع "كافر"…

"مجرمة" هي رندة كعدي، مجرمة بكل ما للكلمة من معاني القوة والإقدام وعدم التردد في تركيب شخصية، (مثلما يتم تركيب قنبلة يدوية)، وتفخيخها بكل الحيثيات السياسية والخلفيات الدينية والموروثات الاجتماعية والصعوبات الحياتية التي يؤدي إحتكاكها ببعض الى إنفجار.

في العرض الافتتاحي لفيلم "هردبشت"، إنفجرت بنا طاقة رندة كعدي، وتركتنا مصعوقين أمام هذا الكم من القدرة على تغيير جلدها. مجرمة هي رندة كعدي، وجريمتها الكبرى أنها قنبلة تمثيل، ما أن تنفجر، تخلّف وراءها آلاف المصعوقين والمذهولين من هول الضربة القاضية، ضربة معلّم.


MISS 3