جوزيف حبيب

ترامب رجل المفاجآت!

14 نيسان 2023

02 : 00

ترامب وديسانتيس (أرشيف)

دونالد ترامب رجل المفاجآت من دون منازع في التاريخ الأميركي الحديث. لم يكن أحد (باستثناء قلّة قليلة) يتصوّر إمكانيّة حجزه بطاقة ترشّح الحزب الجمهوري لانتخابات العام 2016 الرئاسيّة، لكنّه فعل ذلك بسهولة. بعدها لم يتوقّع أحد فوزه بالرئاسة أمام هيلاري كلينتون، بيد أنّه خالف التوقّعات و"أهان" الحسابات المعقّدة لشركات استطلاع الرأي وأصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركيّة. من نجم في عالم تلفزيون الواقع إلى قائد للعالم الحرّ. هكذا، استطاع ترامب ومعه مجموعة من المفكّرين والخبراء والمتخصّصين، اعتماد استراتيجيّة ناجحة للوصول إلى المكتب البيضوي.

لكنّ استراتيجيّته غير المحدّثة آنذاك وشخصيّته الكاريزميّة التي تجذب الجماهير وتسحرهم، لم تكونا كافيتَين في انتخابات عام 2020 حين مُني بهزيمة في مواجهة الرئيس الحالي جو بايدن، الذي سخّر له حزبه الديموقراطي كلّ الوسائل الضروريّة، المشروعة و"غير المشروعة"، في تلك "الظروف الوبائيّة" الضاغطة، لتحقيق نصر انتخابي. وعاد ترامب اليوم إلى حلبة الصراع لحجز البطاقة الجمهوريّة لانتخابات 2024 الرئاسيّة. وعلى الرغم من كلّ القضايا القانونيّة التي يواجهها، إلّا أنّه عقد العزم على السير قدماً في السباق نحو البيت الأبيض.

مسألتان رئيستان وقفتا وتقفان أمام ترامب لتعبيد الطريق شعبيّاً أمامه نحو المكتب البيضوي، وهما عدم اعترافه بهزيمته أمام بايدن وإصراره حتّى اللحظة على حصول عمليّة تزوير و"سرقة" الانتخابات منه، فضلاً عن تسعيره الأجواء الفوضويّة التي مهّدت لاقتحام بعض أنصاره مبنى الكابيتول يوم 6 كانون الثاني 2021 المشؤوم. لو اعترف ترامب بهزيمته حينذاك ولم يدعُ إلى تظاهرة 6 كانون الثاني، لكان اليوم المرشّح الجمهوري الطبيعي الذي يحظى بالفرصة الكبرى للعودة إلى البيت الأبيض.

ما حصل قد حصل ولا يُمكن بطبيعة الحال إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والقائد السياسي عليه تحمّل تداعيات أقواله وأفعاله في نهاية المطاف. ما لا شكّ فيه أن ترامب ما زال المرشّح الأقوى بين منافسيه الجمهوريين، المُعلنين والمُحتملين، إلّا أن حجزه "البطاقة الجمهوريّة" قد يحلّ كارثة على الحزب المحافظ، إذ إنّ احتمالات تكرار سيناريو هزيمة ترامب، على الأرجح على يد بايدن أيضاً، كبيرة، كما يتوقّع خبراء انتخابيّون أميركيّون. وهنا أصبح المرشّح "الأقوى" جمهوريّاً، ربّما "الأضعف" الذي يُمكن أن "يُفرزه" الحزب المحافظ وطنيّاً لاستحقاق 2024 الرئاسي.

"شخصيّة" ترامب لن تسمح له بدعم أي مرشّح جمهوري آخر، هذا أمر شبه محسوم. لكنّ خطوة كهذه قد تُدخله التاريخ كأبرز صانع رئيس في التاريخ الأميركي، خصوصاً في حال دعمه مرشّحاً واعداً كحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي حضّه ترامب أخيراً على عدم منافسته لتجنّب إضعاف الجمهوريين. لقد سطع نجم ديسانتيس بقوّة في أوساط المحافظين، لا سيّما بعد تحقيقه فوزاً انتخابيّاً باهراً في فلوريدا، ثالث ولاية أميركيّة من حيث عدد السكّان، العام الماضي. وديسانتيس، الكاثوليكي من أصول إيطاليّة، يحظى بدعم لافت في القواعد الشعبيّة للأقليّة اللاتينيّة في فلوريدا، حيث حصل على نحو 58 في المئة من أصوات مجتمعاتها، بالطبع إلى جانب الدعم الواسع للبيض من الطبقة الوسطى.

ديسانتيس لم يترشّح بعد رسميّاً للمنافسة على البطاقة الجمهوريّة للرئاسة، لكنّه يأتي في المرتبة الثانية بعد ترامب في استطلاعات رأي القاعدة الحزبيّة، بينما سيكون المرشّح الجمهوري الأقوى على الصعيد الوطني في مواجهة بايدن أو غيره. وكأيّ مرشّح آخر، لديسانتيس نقاط قوّة ونقاط ضعف، إلّا أنّه وبعكس ترامب، يستطيع استمالة الناخبين الوسطيين والمتردّدين. حتّى أنّ بإمكانه "سرقة" أصوات "ديموقراطيّة" معارضة لإعادة ترشيح بايدن البالغ 80 عاماً، في حال حسم الأخير خياره وأعلن رسميّاً إعادة ترشّحه لولاية رئاسيّة ثانية.

يطرح ديسانتيس نفسه كقائد شاب محافظ لديه أجندة سياسيّة شبيهة لا بل متطابقة مع أجندة ترامب، وفي الوقت عينه لا تحوم حوله فضائح جنسيّة ومشكلات قانونيّة تحول دون تحقيق برنامجه بهدوء وسلاسة، بعكس الرئيس الجمهوري السابق. هزيمة ترامب في 2024 ليست محتّمة، بيد أن معركته الانتخابيّة ستكون صعبة للغاية. إنّ دعمه مرشّحاً يمينياً محافظاً كديسانتيس بالغ الأهميّة للحزب الجمهوري. وتبنّي ترامب حاكمَ فلوريدا لانتخابات 2024، سيجعله الرئيس السابق الأكثر تأثيراً في الحياة السياسيّة الداخليّة في تاريخ بلاد "العم سام"، إذ في حال خاض ترامب المعركة وهُزم مرّة أخرى فستكون تلك الخطوة بمثابة "الضربة القاضية" له، ولن يكون لديه الثقل الانتخابي الكافي للعب دور محوري في الاستحقاقات الوطنيّة المقبلة.

هل يُفاجئ ترامب أنصاره والمناهضين له، كما يُفاجئ حلفاءه وخصومه، بإعلان دعم ديسانتيس؟ هذا السيناريو مستبعد جدّاً، إن لم نقل إنّه من رابع المستحيلات، لا سيّما بعدما أكد الثلثاء أنّه لن ينسحب مطلقاً من السباق الرئاسي، قائلاً: "هذا ليس من طبيعتي. أنا لا أفعل ذلك". لقد أصبح التحدّي بالنسبة إلى ترامب شخصيّاً، خصوصاً بعد توجيه محكمة مانهاتن الجنائية 34 تهمة إليه. فهل بإمكان ترامب في حال إصراره على خوض غمار السباق الرئاسي أن يُخالف التوقّعات مجدّداً ويُفاجئ الجميع ويُكرّر سيناريو عام 2016؟ أم أن الظروف المحيطة بترشّحه والعوامل الضاغطة حوله والمعطيات السلبيّة التي تُحيط به من كلّ حدب وصوب، ستحكم عليه بهزيمة ثانية؟


MISS 3