عناكب مغرية تتظاهر بالموت لجذب شركاء مشبوهين إلى علاقة جنسية آمنة

02 : 00

قد تكون عملية التزاوج محفوفة بالمخاطر، لا سيما في حياة ذكور العناكب. في عدد من الأجناس، تنهي الأنثى، التي تكون أكبر حجماً وأكثر خطورة من الذكر، عملية التزاوج عبر التلذذ بالتهام شريكها. لذا يضطر الذكر للاختيار بين حاجتَين بيولوجيتَين أساسيتَين: البقاء على قيد الحياة أو التناسل. غالباً ما يلبّي حاجته إلى التزاوج، لكن تقضي عليه هذه العملية في نهاية المطاف.



طوّر عدد كبير من العناكب استراتيجيات دفاعية لتجنب هذا المصير المريع، بما في ذلك الابتعاد السريع عن الأنثى فور انتهاء التزاوج أو تغليفها بالحرير لمنعها من مهاجمته. لكن يتخذ العنكبوت القُمعي الصيني الأصل مساراً مختلفاً. يكشف بحث جديد أن الإناث في هذه الفصيلة تؤكد على تجاوبها وطابعها الآمن كشريكة للتزاوج عبر الالتفاف على الذات وادعاء الموت، ما يسمح للذكور بالاقتراب منها والتزاوج معها، ثم الابتعاد من دون التعرّض للأذى.

يكتب فريق من الباحثين بقيادة جيهي ليو من جامعة "جين غان شان" الصينية: "قد ينتج الإغماء التخشبي قبل العلاقة الجنسية لدى العناكب القُمعية إشارة جنسية إيجابية للذكور، فتستفيد بذلك العناكب التي ترسل الإشارات أو تتلقاها. لهذا السبب، قد لا يعكس الإغماء التخشبي الجنسي لدى العناكب القُمعية شكلاً من الصراع بل مصالح مشتركة بين الجنسين".

أصبح التظاهر بالموت استراتيجية معروفة للتهرب من الحيوانات المفترسة في عالم الحيوان، ويلجأ عدد كبير من الكائنات إلى هذه الطريقة لإنقاذ حياته.

وبما أن معظم الحيوانات المفترسة تبحث عن فريسة حيّة، قد تسمح هذه المقاربة بتجنب مواقف بالغة الخطورة. في هذه الحالة، تدرك الحيوانات ما يحصل في محيطها لكنها تستطيع إبطاء إيقاع قلبها ومعدّل تنفّسها لتحسين طريقة تظاهرها بالموت.

صُوّرت أجناس عدة من العناكب القُمعية وهي تدخل في حالة مشابهة للتظاهر بالموت بهدف التزاوج على مر السنين، لكن كان يصعب التأكد من دوافع هذه العملية.

يوضح الباحثون: "تكشف الأدلة التجريبية أن الإغماء التخشبي الجنسي آلية افتعلها الذكور لتقليص مخاطر تعرّضهم للالتهام أثناء العلاقة الجنسية. قد تبقى الأنثى جامدة وغير متجاوبة لمدة تتراوح بين بضع دقائق وساعات عدة، ويستطيع الذكر في هذه الفترة أن ينقل الأنثى إلى وضعية تسمح له بإدخال مشابكه من دون المجازفة بالتعرض للهجوم".

لكن لم يتأكد العلماء سابقاً من لجوء الذكور إلى هذه الاستراتيجية عمداً. جمع ليو وفريقه بعض العناكب وراقبوا نشاطها التناسلي في مواقف متنوعة داخل المختبر.

جُمِعت العناكب قبل شهر من موسم تزاوجها الطبيعي، ووضعها الباحثون في حاويات فردية لإطعامها والاعتناء بها. وُضِعت أنثى العنكبوت في غرفة خاضعة للمراقبة. وبعد نَسْجها للشبكة، وُضِع الذكر في الغرفة معها كي يتمكن الثنائي من التزاوج كما يفعل في البرّية.

دخلت الأنثى في حالة الإغماء التخشبي خلال العلاقة الجنسية في تسع حالات من أصل 12، فتجمدت في مكانها ولفّت ساقَيها وكأنها نافقة. أنتجت هذه الحالات تزاوجاً ناجحاً. في الحالات الثلاث الأخرى، أخذ الذكر المبادرة لكن بقيت الأنثى يقظة وطبيعية ولم تحصل عملية التزاوج.

في المرحلة اللاحقة، افتعل الباحثون حالات مشابهة للإغماء التخشبي لدى ست إناث عبر إدخال الذكور إليها. هم افتعلوا هذه الحالة من خلال هز الإناث الست الأخرى داخل أنبوب مخبري لإخافة العناكب إلى أن تتجمد في مكانها. أما المجموعة المتبقية من الإناث، فقد خضعت للتخدير لتقليد ما كان ليحصل لو أن الإشارة الكيماوية الصادرة من ذكر العنكبوت أطلقت عملية الإغماء التخشبي.

ثم قام الباحثون بتجميد ثلاث مجموعات من ستة عناكب بسائل النيتروجين وحللوا العناكب المجمّدة. لقد أرادوا بهذه الطريقة أن يدرسوا الخصائص الكيماوية لما يحصل داخل العناكب أثناء جمودها. شملت التجربة أيضاً مجموعة مرجعية فيها إناث عناكب عادية وواعية.

كشفت النتائج أن الإغماء التخشبي أثناء العلاقة الجنسية كان الأقرب إلى حالة التظاهر بالموت من الناحية الكيماوية، ما يوحي بأن إناث العناكب فضّلت ادعاء الموت للتزاوج. يتماشى هذا الاستنتاج مع ملاحظات الباحثين: بشكل عام، تستأنف أنثى العنكبوت نشاطها فور انتهاء التزاوج فيما يغادر الذكر المكان.

لم تؤدِّ محاولات التزاوج الخاضعة للمراقبة إلى التهام العناكب، ولا حتى المحاولات الفاشلة. لكن قد يسمح هذا السلوك لإناث العناكب باختيار الشريك المناسب ليكون والد صغارها.

في النهاية، يستنتج الباحثون: "للوهلة الأولى، قد يوحي الإغماء التخشبي الذي يصيب الإناث خلال العلاقة الجنسية بأنه انعكاس لصراع جنسي يسيطر عليه الذكور، لكن تكشف تجاربنا أن هذه العملية تخضع لسيطرة الإناث وتفيد الجنسَين في آن. يسمح الإغماء التخشبي أثناء العلاقة الجنسية للإناث باختيار شريكها: في البداية، قد تبدو الأنثى عدائية تجاه الذكر الذي يتودد إليها، وتبقى على هذه الحال أمام الذكر غير المفضّل لديها، وتلجأ إلى الإغماء التخشبي أثناء العلاقة الجنسية مع الذكر الذي يعجز عن لمس الأنثى".

نُشرت نتائج البحث في مجلة "كورينت زولوجي".


MISS 3