سناء الجاك

أوراق القوة

26 نيسان 2023

02 : 00

ينصح رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين «بعض اللبنانيين إلى المسارعة في قبول ما يُعرض عليهم الآن»، ويحذّرهم من أنّ التأخير ليس في مصلحتهم، لأنّهم فاقدو «أوراق القوة التي يدّعون ويتخيلون أنهم يمتلكونها، ولكن في الحقيقة هم لا يمتلكونها»، بعكس «حزبه» القابض عليها، منذ إحكام سيطرته على الدولة.

و»بعض اللبنانيين» الذين استهدفهم صفي الدين، هم العاجزون عن الاتفاق على مرشح يحظى بكل الأصوات النيابية الخارجة عن طاعة الحزب، والذين يتوهمون أنّهم بمواقفهم الانتقادية له قادرون على التغيير، في حين يملك وحده القدرة على التخطيط والفعل، وصولاً إلى هدفه.

وأوراق القوة هذه هي التي أخضعت القضاء اللبناني، فتلكأ عن القبض على علي شبلي، قاتل الفتى حسن غصن، ما استوجب لجوء شقيقه إلى «قضاء العشائر العربية» والاقتصاص من القاتل بمعزل عن القوانين. لتدخل منطقة خلدة في حمام دم، ومن ثم معاقبة المنتقم الذي خذله القضاء.

هي ذاتها هذه الأوراق، التي حمت قتلة وفاسدين بالجملة والمفرق، لأنّهم محميون ومحتمون بها، كما تبين الوثائق والملفات والاعترافات المتعلقة بتبييض الأموال ونقلها، سواء إلى لبنان أو منه بعد فقدان الأمان المالي والمصرفي.

وهي التي استدعت مهرجاناً بطبل وزمر لاستقبال المتهم في القضاء الفرنسي مروان خير الدين بأنّه شريك «بتشكيل عصابة إجرامية بهدف القيام خصوصاً باختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية وخيانة الأمانة»، وذلك في غياب تام للدولة ومؤسساتها القضائية، وإجراءاتها التي كان يجب أن تتحرك وتحرِّك قوى أمنية في المطار، لتقتاده إلى التحقيق لتورطه في جرائم موصوفة تكاد تكون ثابتة بالأدلة والبراهين.

ولا أسباب لانتقال لبنان من «مرحلة التأزُّم إلى مرحلة الفوضى العارمة والانفراط العملي للوزارات وعجز المؤسسات الحكومية» غير أوراق القوة هذه، التي أغرقت لبنان في «حفرته العميقة على المستوى الاقتصادي والمعيشي والحياتي والمالي والنقدي والسياسي والقضائي وكل شيء...».

وأسوأ ما في تكوين هذه الأوراق أنّها وليدة الحوار بالنار والاغتيالات وشلّ المؤسسات وفرض الفراغ، وتحويل لبنان دولة فاشلة، اقتصادها تحت الصفر، الوضع الاجتماعي لشعبها يحاكي الكارثة المستدامة، التي دفعت ببعض اللبنانيين، إلى الاستعانة باللاجئين السوريين، لتأجيرهم بطاقاتهم الصحيّة، ليتمكنوا من تأمين الطبابة على حساب الأمم المتحدة. وبحسب المعلومات التي يتمّ التداول بها، فقد أُجِّرَت البطاقات بـ100 دولار في اليوم الواحد، وصولاً إلى 500 دولار مقابل إجراء عمليات جراحيّة.

لكن مثل هذه التفاصيل الفارغة المتعلقة بهموم الناس لا تؤثر في «الحزب» القابض على أوراق قوته عبر ميليشيا غير شرعية، تملك ترسانة صواريخ، وتعتبر الثقافة والانفتاح عمالة. كما تعتبر قمّة العمالة، مطالبة المواطنين بالماء، والكهرباء، والطبابة، والعلم، وتفرض ثقافة مدمرة قوامها الخضوع للقوة وليس للمنطق، وهوايتها قلب الحقائق، والاستفادة من المعادلات الجديدة.

فالمهم بالنسبة لـ»الحزب» كان ولا يزال الاحتفاظ بهيمنته، لكن بقالب مختلف عما كانت الحال عليه في زمن الجنرال، الذي أدى قسطه للعلى، وسمح لحليفه بالتشكل ضمن البيئات الطائفية والمذهبية الأخرى، بعدما كان الثنائي الشيعي قد صادر الطائفة الشيعية، على أمل التمكن في مرحلة لاحقة، ومن خلال إيصال مرشحه الى قصر بعبدا، من استكمال إنجازاته وانتصاراته.

ولتحقيق غايته، كان لا بد لـ»الحزب» من ركوب موجة ما يحصل في المنطقة، وتجيير التقارب السعودي الإيراني لصالحه، سياسياً ورئاسياً، على اعتبار أنّ القدرة على الاستفادة من التقارب تشكل بحد ذاتها أوراق قوة إضافية، على حساب من يدعي ويتخيل... ولا يقبل اليوم... وسيندم غداً.


MISS 3