عيسى يحيى

إعتكاف سنّي أم ترقّب للمتغيّرات الإقليمية؟

29 نيسان 2023

02 : 00

ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري (رمزي الحاج)

بانتظار أن تتبلور التسوية التي وضعت على نار الإتفاق السعودي - الإيراني في المنطقة، ومصير لبنان ضمن سلّة التفاهمات التي اتّفق على تنفيذ بنودها، يُسأل عن وضع الطائفة السنية في لبنان، ودورها في المرحلة المقبلة، بعد الركود الذي شهدته لسنوات، وحال التشظي والضياع قبل اعتكاف رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، وبعده.

أُخِذَ السنّة عام 2016 إلى تسوية لا يريدونها، ولم تكن على حجم تطلّعاتهم ودورهم في الحفاظ على الكيان اللبناني، رغم كل التحذيرات التي تلقّاها الحريري من الداخل والخارج، ونتائج مشاركته في صفقة عهد الرئيس ميشال عون وإيصاله إلى سدة الرئاسة. ومعها بدأ دورهم بالتراجع حدّ الإعتكاف عن المشاركة في صناعة القرار، وغيابهم عن الساحة السياسية بفعل ما تعرّضت له «الحريرية السياسية «ممّن تمّ الاتفاق معهم، وغياب الداعم الإقليمي.

وهذا ما أدى إلى تشرذم الطائفة السنية، وجعلها ساحة مستباحة للوراثة السياسية عبر ضمّ نوابٍ سنّة إلى لوائح إنتخابية غير سنيّة، ومن ثمّ تكتّلات نيابية، ما أضعف قدرتهم على المساهمة في صناعة القرار والمشاركة في الإستحقاقات الدستورية، وأولها الإنتخابات الرئاسية، والتحاقهم بركب مشاريع تلك الأحزاب والكتل النيابية، إضافةً إلى النواب التغييريين من أبناء الطائفة الذين جاهروا بمعارضتهم لأي لقاء نيابي سنّي جامع، وكان آخره تحت قبة دار الفتوى وعباءة مفتي الجمهورية.

أدّى السنّة منذ الإستقلال عبر رئاسة مجلس الوزراء دوراً أساسياً في تأسيس الكيان اللبناني والحفاظ على هويّته العربية المشرقية، وكانوا شركاء في صناعة القرار بدءاً من الرئيس رياض الصلح وصولاً الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما بينهما من أسماء وشخصيات أدّت دوراً بارزاً في إرساء الشراكة الوطنية، وتفعيل الحضور السنّي كالرؤساء رشيد كرامي، صائب سلام، وسامي الصلح وغيرهم. ومع اغتيال الرئيس الحريري بدأ هذا الدور بالتراجع، رغم استلام الرئيس سعد الحريري دفة القيادة ووراثة الشارع السنّي، وبعد تقديمه التنازلات المتتالية وأطباق التسويات على حساب الطائفة ودورها، في وقتٍ حاولت بعض الجماعات الدينية المتشدّدة الدخول الى الساحة السنية وأخد أبناء الطائفة إلى مشاريع وأجندات لا تشبه تاريخهم وحضورهم منذ نشأة الجمهورية اللبنانية، فكان مصيرها الفشل والزوال.

يشعر أبناء الطائفة بالغبن والضعف والاستسلام بعد عدة نكسات طالتهم منذ سنوات، أولها التنازل عن بعض المراكز الإدارية كانت كُرسّت لهم بفعل العرف، وليس آخرها الأحكام التي طالت موقوفي خلدة، وما بينهما جملة ملفات شعروا خلالها أن لا ظهر لهم يحميهم. ومع خروج نتائج انتخابات 2022 بدا تشتّت النواب السنّة أكثر وأكثر بعد اعتكاف الرئيس الحريري ومعه «تيار المستقبل»، وترك الطائفة في مهبّ الفراغ، وعدم بروز موقف موحّد من الإستحقاقات الوطنية والدستورية.

ومع عودة الدور السعودي إلى الساحة اللبنانية بعد انكفاءٍ دام سنوات، وسياسة المملكة إقليمياً القائمة على «صفر مشاكل» والنهضة الاقتصادية والانفتاح، يبقى الوضع السنّي في لبنان في حال انتظار لما سيؤول إليه التفاهم السعودي- الإيراني، وانعكاسه على إعادة ترتيب البيت الداخلي وتأدية المملكة دوراً في وضعه على السكة الصحيحة.

وضمن هذا الإطار تقول مرجعية سنّية سياسية لـ»نداء الوطن» إنّ التشتّت السنّي اليوم والمعكوس على النواب لا بدّ أن ينتهي، ويبدأ باتفاق النواب السنّة على مرشح رئاسي شأنهم كشأن نواب «الثنائي الشيعي» أو المسيحيين، وهم مدعوون إلى التفاهم وبلورة موقف جامع يعكس المصلحة الوطنية ويساهم في النهوض بلبنان من أزمته، وعدم ترك الساحة لمشاريع لا تلبّي طموحاتهم ومطالب القواعد الشعبية التي أوصلتهم إلى البرلمان. فما تشهده الساحة السنّية من ركود سياسي واعتكاف عن المشاركة في صناعة القرارات، ساهم في مصادرة رأيهم حدّ الوصول الى احتمال فرض التسويات المحلية عليهم وتصويرهم وكأنهم مجرّد أعداد للتصويت فقط.

وأضافت أن التركيبة الحالية للنواب السنّة تضمّ ثمانية نواب من أصل 27، يدورون في فلك «حزب الله» ونجح بعضهم على لوائحه أو بأصواته، ولا يمكن أن يخرجوا عن رأيه، إضافة إلى تغريد عدد من نواب «التغيير» خارج السرب، كحليمة قعقور وابراهيم منيمنة، فيما يأخذ النائب أسامة سعد مواقف متمايزة، ليبقى النواب الباقون وعددهم ستة عشر نائباً، منهم «تكتل الاعتدال» وهم: أحمد الخير، محمد يحيى، أحمد رستم، وليد البعريني ومحمد سليمان، والنواب أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، بلال الحشيمي، نبيل بدر، ياسين ياسين، عبد الرحمن البزري، عماد الحوت، ايهاب مطر، عبد الكريم كبارة، وضاح الصادق، رامي فنج، وهؤلاء جميعاً تجمعهم رؤية مشتركة ويمكن لهم الاتفاق على مرشح واحد، ويلتقون أيضاً مع توجّهات المملكة العربية السعودية.

ورأت أنّ الأمر يتطلب قيادة حكيمة، وإعلان موقف واضح وصريح من الرئيس الحريري حول مستقبله السياسي سواء بالعودة أم الإعتزال، وتوجيه جمهوره نحو شخصية يلتفون حولها، وعدم ترك الشارع السنّي في حال تخبط لا سيما أنّ محاولات ملء الفراغ لن ترتقي إلى حالة وطنية منتشرة في المناطق كافةً ما لم تبارك بدعم سعودي، مع العلم أنّ المملكة تعمل على لململة الصف من خلال الانفتاح على كافة الأطياف. ولهذا كانت جولة السفير السعودي وليد البخاري منذ فترة في هذا الإطار.


MISS 3