مجيد مطر

مأساة لبنانية

6 أيار 2023

02 : 00

ليس نقصاً في الموضوعية القول إنّ عهد الرئيس ميشال عون لم ينلْ قسطه وافياً من النقد الشديد، وتحميله المسؤولية السياسية عما آلت اليه أوضاع هذا البلد المفتوح مستقبله على احتمالات شتى، في ظل عجز الطبقة السياسية عن القيام بما هو مطلوب منها: تطبيق الدستور بروحية رجال الدولة.

الأمر لا يتعلق بالأوضاع الاقتصادية أو الفساد أو الصراعات السياسية التي لا طائل منها، فبهذا الخصوص الجميع سواسية وفي الخانة نفسها. القضية أكثر عمقاً، بحيث يجب أن يكون مفهوماً لدى الجميع أنّ مقبولية تكريس الشغور الرئاسي والاستسهال به قد وُلِدا من رحم تجربة ميشال عون السياسية، ومنذ اللحظة الأولى التي أصبح فيها رئيساً لحكومة عسكرية سيئة الذكر.

ولأجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية فرض التعايش مع منطق الفراغ، وبروح اللامسؤولية راح يبتدع عبارات وحججاً امتزجت بوعي مريديه وهيمنت على تفكيرهم، لتصبح قضية الرئاسة لا تخصُّ اللبنانيين كشعب، بل احتكاراً لشخصية قائدهم حصراً، هو أو لا أحد، أما البقية من الموارنة فمتطفلون، لا يحق لهم البتة الطموح للرئاسة أو التفكير بها.

فبالأمس القريب كانت الاستحقاقات الرئاسية تتم في إبّانها، وأحياناً قبل موعدها، مثال ذلك عندما انتخب الرئيس الياس سركيس قبل نهاية ولاية سلفه بستة شهور. فلم يسبق أن خبرت الجمهورية، وفي أحلك الظروف الشغور المديد، لا بل انصبت جميع المواجهات السياسية وعلى نحو أفقي لا عمودي على منع التمديد، هذا ما حصل مع الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون. وعلى الرغم من كل الأزمات السياسية التي مرّت علينا، كان اللبنانيون يملكون ترف رفض التمديد كأمر واقع، أين نحن منه الآن!

والمعادلة التي تشير إلى أنّ الاستمرار في الفراغ الرئاسي يتحمله المسيحيون حصراً، لا تأتي عن عبث، بل قائلها يدرك حيثيات الأمر ويعرف كيفية توجيه الأمور، وجذور المشكلة، ليرفع عن نفسه المسؤولية! استناداً إلى تجربة التعطيل التي باركها الرئيس السابق طيلة سنتين ونيف، من دون أن يبادر إلى طرح مبادرات جادة تدفع باتجاه تفعيل عمل الدولة حتى ولو لم يصبح رئيساً. لقد فضّل الفوضى على انتظام الحياة الدستورية باعتبارها أقصر الطرق للرئاسة. هكذا تم التأسيس لهذه المأساة. بسلوكه الأناني جعل الرئاسة عند كل استحقاق على موعد مع المواجهة والاصطدام بجدار الدعوة الى التوافق على اسم الرئيس قبل انتخابه، بما فيها من مخاطر محاصرة الرئيس وتقييد عهده قبل أن يولد.

التوافق كسلوك سياسي يكون على حكومات ائتلافية، فيُحكى بملامح برنامجها سلفاً لاستقطاب قوى لترجيح هذا الكفة أو تلك، فيقوم الحزب الفائز بتقديم اغراءات ليحظى بالأكثرية المطلوبة لتشكيل الحكومة بناء على تفاهمات مسبقة بهدف الوصول للسلطة، لذا يجب تجنيب رئاسة الجمهورية هكذا نوع من الاتفاقات، والكف عن سياسة رهنها لتفاهمات تُفقد الرئيس كلًّ تأثير وتحمّله اثقالاً لا تأخذ في الحسبان أنّ الرئيس مؤتمن على الدستور الذي وضعه في منصب رئيس الدولة وفوق الخلافات ليلعب دور الحكم بين اللبنانيين لإدارة التعددية اللبنانية وخصوصياتها.

لا يمكن للرئيس أن يطالب بحصص وزارية، تجعل منه طرفاً في الخصومات السياسية التي تأتي في أغلبها لتكريس مصالح الزعماء على حساب المصلحة العامة.

الرئيس قادر بما يملك من صلاحيات على صياغة سياسات عامة من دون أن يكون طرفاً في صراع المصالح، والقول إنّه أصبح منصباً شرفياً، يملك ولا يحكم هو قول زور. الرئيس قيّم على مبادئ وطنية جامعة تدخل في فلسفة التعايش بين اللبنانيين، فهو من يراقب الالتزام بمبدأ المناصفة فلا يمكن لحكومة أن تولد بلا مراعاته، وهو الذي يراقب عدالة تمثيل المحافظات داخل الحكومة، وهو الذي يمكنه أن يؤلف مع رئيس الحكومة التشكيلة الوزارية على قاعدة تجنب الاتيان بشخصيات قد تشكل تحدياً لمكون من مكونات الدولة، أو شخصيات تحوم حولها الشبهات.

بخلاصة الأمر، الرئيس هو القادر على اقناع الأطراف جميعها بتقديم الأفضل والاكفأ، بشرط أن يكون انتخاب الرئيس تنافسياً بعد ترشيح نفسه. أما عندما يأتي بصفقة أو تسوية يتحوّل بحكم الواقع إلى «مراقب دوام» رسمت له الحدود مسبقاً، بخلاف ما نصّ عليه الدستور الذي ضمن له موقعاً راسخاً في السلطة التنفيذية، ليكون جديراً بحكم هذا البلد الذي يستحق منا الأفضل.


MISS 3