رفيق خوري

سلطة العجز وغطرسة الضعف

18 آذار 2020

08 : 00

لا شيء يختصر الكرة الأرضية في زمن الكورونا اكثر من عنوان كتاب عبدالله القصيمي "العالم ليس عقلاً".

فيروس غير مرئي ساد على كل قوى العالم. الكبار المخيفون خائفون. الصغار المغلوبون مرعوبون. ولبنان، مثل سواه من البلدان، في حجر صحي بسبب كورونا. وهو، خلافاً لكثيرين سواه، كان سلفاً في حجر مالي واقتصادي. لكن السلطة التي لم تجرؤ على منع دخول المصابين عبر المطار والحدود لجأت الى المبالغة في التهويل بعدما بالغت في التهوين والتطمين الى أننا وفي حال "احتواء" حتى صرنا في حال "انتشار". وفي الحالين جهوزية ناقصة لمواجهة الوباء، فوق عجز عن مواجهة الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية. فلا خطة انقاذ جاهزة حتى الآن تتجاوز التوقف عن سداد الدين العام. ولا قدرة وسط تجميد النشاط والحياة على ضخ الأموال، كما تفعل دول كثيرة خصصت مئات المليارات في عروق الاقتصاد والصحة.

ذلك ان السلطة بكل مكوناتها السياسية والمصرفية والاقتصادية والميليشياوية والطائفية، تتصرف كأنها منتصرة علينا وتعاملنا كمهزومين. ففي اجراءاتها تحت عنوان التعبئة العامة للحؤول دون موتنا بالكورونا شيء من التضييق على ما بقي من ممارسة الأعمال لتأمين سبل العيش. وفي غطرسة أربابها ما يقترب من شروط أثينا على المهزومين في حروب الإغريق: "القوي يفعل ما يريد، والضعيف يقاسي ما يجب". أليس مثل هذا ما فعلته المصارف بالمودعين حين غامرت بالودائع طمعاً بالفوائد وتركتهم على أبوابها كالشحاذين للحصول على مئتي دولار من أموالهم كل اسبوعين؟ أليس هذا ما يفعله بنا المتسلطون النافذون عندما يجعلون لبنان مجرد مساحة جغرافية و"ساحة" في صراع المحاور، والدولة مجرد غنيمة للقبائل المتنافسة على المال والسلطة ؟

المفارقة ان كورونا المخيف يخدم السلطة من جهة، ويكشف ضعفها المغطى بالغطرسة من جهة أخرى. الخدمة هي في وقف المطالب منها واغتنام المصارف الفرصة للإغلاق، والأهم إلتزام المنازل بحيث خلت الساحات والشوارع من شباب الثورة الشعبية السلمية. والكشف هو في صورة بالسكانر للدولة الفاشلة سياسياً وادارياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً.

يقول الفيلسوف كيركغارد: "الحياة تُعاش مقدماً ثم تُفهم مؤخراً". وبالقياس على ذلك، فان "فلسفة" كورونا وباقي الأوبئة هي: معاناة الموت مقدماً ثم فهم الأسباب مؤخراً من جانب الباقين على قيد الحياة. ولا حدود لعدّاد الضحايا البشرية والخسائر الاقتصادية والمالية والروحية والفكرية، قبل ان يتأكد العلماء من أين جاء كورونا ويصنعوا لقاحاً مضاداً في متناول البشرية.


MISS 3