رواد مسلم

ما أهمية "أف 16" بالنسبة إلى كييف والغرب؟

23 أيار 2023

02 : 00

أثبتت الطائرة المقاتلة الأميركية الصنع «أف 16» منذ أول مهمّة حربية قامت بها في 1974، أنها تتمتع بكفاءة عالية في المعارك وقدرة إستثنائية في القتال الجوّي لاصطياد الطائرات المقاتلة والصواريخ والمسيّرات، فهي تؤمن غطاء جوّياً للقوّات الأرضية، فضلاً عن تنفيذها ضربات أرضية دقيقة في عمق أراضي العدو، وقدرة عالية على التخفي من الدفاعات الجوّية والإفلات من أسلحة المضادات والطائرات المقاتلة العدوّة.

«أف 16» مقاتلة متعددة المهام، سريعة المناورة، صغيرة الحجم والأكثر طلباً من الجيوش في العالم نظراً لنجاحها في حروب الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها، وقليلة الحوادث في المهمات العملانية، فقد أسقطت 4 مرّات خلال 2000 عملية جوّية حربية، فهي ترعب العدو وتمنح مالكها تفوّقاً جوّياً.

كانت أوكرانيا تمتلك في بداية الحرب الروسية - الأوكرانية نحو 200 طائرة، منها 125 طائرة مقاتلة من طراز «ميغ 29» و»سو 27»، لكنها خسرت نصفها خلال الحرب. لاحقاً، زوّدت سلوفاكيا عدداً من طائرات «ميغ 29» من أصل الـ13 التي وعدت بتقديمها إلى أوكرانيا، فيما سلّمت بولندا 9 طائرات بعدما وعدت بإرسال كلّ مخزونها من طائرات «ميغ 29» البالغ 30 طائرة.

على الرغم من أنّ مهام «ميغ 29» و»سو 27» قريبة من «أف 16»، إلّا أن الأخيرة تتميّز من حيث قدرة رادارها على رصد الصواريخ والطائرات العدوّة والمسيّرات وتعقبها لمسافة 284 ميلاً، وهو يتفوّق على رادار نظيرتها «ميغ 29» الذي يبلغ 90 ميلاً، فضلاً عن تنوّع أوسع للصواريخ جو - أرض و جو - جو التي يُمكنها أن تحملها الـ»أف 16» .

قرار إدارة بايدن تسليم الطائرة يُشير إلى أن واشنطن وحلفاءها يعتقدون الآن أنه، حتى لو كانت هناك نهاية تفاوضية للقتال، وربّما هدنة شبيهة بالحرب الكورية، فإنّ أوكرانيا ستحتاج إلى قدرة عسكرية طويلة الأجل، لردع روسيا الغاضبة والخاضعة للعقوبات. وفي هذه الحالة، قد يكون قرار تسليم «أف 16» أفضل دليل حتى الآن على أن الإدارة تعتقد أنه بينما ستبقى أوكرانيا على قيد الحياة، يُمكن أن يستمر الصراع لسنوات، إن لم يكن لعقود.

فبالرغم من تسليم دول الغرب معظم الأسلحة الموعودة إلى أوكرانيا لشنّ الهجوم المضاد، فإنّ قوات «فاغنر» ما زالت تُسيطر على أكثر من 95 في المئة من باخموت، حيث يستمرّ القتال الشرس فيها لأكثر من 9 شهور متواصلة، أي قبل وصول الأسلحة الغربية وبعده، والجيش الأوكراني لم يستطع إستعادة الأراضي المحتلّة في المدينة وغيرها من الأراضي المحتلّة.

لذلك، هذا دليل واضح على أن الجيش الروسي استفاد من المماطلة الأوكرانية لإعادة تنظيم قوّاته والتخطيط وبناء التحصينات والخنادق الحصينة في المناطق المحتلّة، وفي المقابل فإنّ نية الغرب من خلال نوعية الأسلحة المقدّمة لأوكرانيا هي إطالة الحرب لاستنزاف الجيش والاقتصاد الروسيين.

موافقة بايدن على تزويد كييف بطائرات مقاتلة من الجيل الرابع منها «أف 16»، وسط مخاوف من أن الهجوم الأوكراني المضاد قد لا يتمكن من توجيه ضربة قاضية، لن تؤثر في سير المعارك لصالح روسيا، حيث أن تدريب القوات الجوية الأوكرانية على هذه الطائرة يتطلّب فترة 18 شهراً، وهي طبعاً فترة غير قصيرة، ناهيك عن أنّ طائرات «أف 16» تحتاج إلى مطارات مجهزة غير تقليدية مثل التي هي حالياً في أوكرانيا، وهنا ستكون السيطرة حالياً للروس داخل الأراضي الأوكرانية، نظراً لما تملكه من قاذفات استراتيجية مثل قاذفات «سو 35» أو الصواريخ النوعية «كينغال» و»سارمات»، وبالطبع لن تقبل روسيا أن تكون هناك مطارات داخل أوكرانيا تنطلق منها طائرات «أف 16».

من ناحية أخرى، فإنه من المستحيل أن تسلّم الولايات المتحدة مباشرة الطائرات إلى أوكرانيا، فهي ستعتمد على طرف ثالث في ما خصّ هذا الموضوع، ولن تسمح الدول الغربية التي ستسلّم أوكرانيا «أف 16» أن تستعمل الأخيرة مطاراتها داخل دول «الناتو» ولا من حاملات طائرات «الناتو» في بحر البلطيق أو الأسود أو البحر المتوسط، لأنّ هذا الموضوع سيكون محظوراً، وهو يعني دخول «الناتو» والولايات المتحدة خصوصاً مباشرة في هذه الحرب.

تسليم كييف الطائرات المقاتلة «أف 16» سيؤمّن تكاملاً برّياً - جوّياً - بحريّاً للجيش الأوكراني، فهذه المقاتلة ستؤمن الغطاء الجوّي للقوات البرّية ويمكنها أن تحمي البحر كون مداها طويلاً، بالإضافة لإمكانيتها شنّ هجمات في العمق الروسي، لكن مع مرور الوقت وطرح الأوكرانيين كافة أوراقهم أمام الجيش الروسي، سيستفيد الأخيربتقوية موقعه في المناطق المحتلّة والتخطيط لمقاومة كافة الأسلحة المتطوّرة بنظر الغرب من خلال خطط ووسائل حربية يُمكن أن تفاجئ المانح الغربي.


MISS 3