أحمد عدنان

حسني مبارك: الرجل العادي الذي حكم مصر

25 آذار 2020

03 : 35

مبارك أدار مصر أول عقدين من حكمه بنجاح

غادر الرئيس حسني مبارك دنيانا في لحظة نموذجية، فالشعب الذي ثار عليه أصبح يراه بعين الإنصاف. تولى مبارك مقاليد الحكم في زمن حساس، فعند اغتيال الرئيس السادات كانت الدولة المصرية في خطر، الإرهابيون يتربصون بمصر، والناصريون وفلول اليسار يتربصون بمستقبلها، والعرب يقاطعونها نتيجة اتفاقية كامب ديفيد.

يمكننا القول ان مبارك ادار مصر اول عقدين من حكمه بنجاح، عالج الاحتقان الداخلي، وحارب الإرهاب بلا هوادة، وأعاد العرب إلى مصر. ولعل اللحظة اللامعة تجلت في دور مبارك المهم إثر احتلال صدام حسين للكويت، وقبل ذلك استعادة طابا.

فلسفة مبارك في الحكم - قياساً بسلفه السادات - بسيطة، رآها البعض في زمنها ساذجة، ورآها بعض آخر - في ما بعد - عبقرية، فعلى الصعيد الخارجي حرص على إرضاء الولايات المتحدة والتمسك بكامب ديفيد، والتحم سياسياً بدول الخليج وعلى رأسها السعودية، وأدرك واعياً خطورة إيران، والتزم كلياً بحسن الجوار وإبعاد بلاده عن المغامرات الطائشة التي اعتمدتها زمن جمال عبدالناصر. أما في الداخل، أطاح مبارك بكل منافس قائم او محتمل، وسلم مراكز السلطة لأقطاب متضادة لا تتفق الا على الولاء لشخصه، وجفف الحياة السياسية تماماً، ومقابل ذلك أعطى للفن وللمثقفين والإعلاميبن سقفاً مفتوحاً طال شخصه وأسرته.

حين تذاكى مبارك وقع في الفخ، إذ عقد صفقة عملية مع الإسلام السياسي وجماعة الإخوان، حصة محدودة في البرلمان، وحصة واضحة في العمل العام. وأراد مبارك من هذه الصفقة تحقيق ربحين: تخويف الغرب بالإسلام السياسي، وتكليف الإخوان ببعض أعباء الدولة (العلاج والتعليم .. إلخ).

ربما كانت هذه الصفقة هي التي أنهت حكم مبارك، مع انه كلما وجد تجاوزاً من الإخوان للخطوط التي رسمها ضربهم بيد من حديد. الغرب مل من التخويف وتساءل : إذا كان الشارع بيد الإخوان فلماذا لا نتفق معهم مباشرة؟!. وفي الداخل - بفضل شبكة الخدمات - حقق الإخوان شعبية جارفة.

دخلت البلاد في طور تنازلي منذ إعفاء حكومة الرئيس كمال الجنزوري سنة 1999. فبعدها، شاعت قصة التوريث، وتوارت صورة الجيش خلف صورتي رجال الأعمال والشرطة، وتراجعت - تدريجياً - صحة مبارك الذي تلقى ضربة قاصمة سنة 2009بوفاة حفيده. وكما قدمت مصر صورة مشوهة للاشتراكية زمن عبدالناصر، قدمت صورة مشوهة لليبرالية اقتصادية رعاها رجال أعمال - التحموا بالسلطة - لتحقيق منافع خاصة تجاوزت المعقول والمقبول والمسموح. كان تحويل مسار الاقتصاد من اليسار إلى اليمين - الذي بدأه السادات وانخرط فيه مبارك - سليماً في اتجاهه وصحيحاً في المنطلقات، لكن الشياطين كلها كمنت في التطبيق.

في العقد الأخير من حكمه طالت مبارك اتهامات باطلة، كتقزيم دور مصر الإقليمي ومحاصرة الفلسطينيين، والحقيقة ان دور مصر تقلص بسبب تغير الزمن وليس بسبب شخص الرئيس، فالحرب الباردة انتهت، وانتقل الاهتمام الدولي من قناة السويس إلى الخليج العربي، وأصبح النفط والمال أكثر أهمية من الأيديولوجيات. وفي ما يخص فلسطين، قال مبارك: "تريد إسرائيل صرف النظر عن قضية فلسطين بقضية غزة"، يستحيل أن يقبل مبارك بدويلة حماس على حدوده صوناً للأمن المصري، لكنه كعادته وضع لمسته المميزة: أغلق معبر رفح وتغاضى عن الإتفاق، وربما يترحم الحمساويون اليوم على مبارك وهم أكثر من شتموه بالأمس.

في تأريخ مسيرة السلام كان لمبارك حضوره الفعال، ولعل مشروع "الأرض مقابل السلام" ساهم في إطالة عمر نظامه، وقبيل ثورة 25يناير، كانت مصر مركز اتصالات سياسية مكثفة موضوعها مشروع سلام جديد، لكن مبارك رفضه بشدة.

على مر التاريخ، لم يسقط نظام استحق الاستمرار، ربما كان تمسك مبارك بالمبادرة العربية للسلام وبمبدأ "الأرض مقابل السلام" سبباً في سقوطه، لكن المسببات الأهم داخلية: الربط بين الاستقرار وبين الجمود، تهميش الجيش، وتغول الشرطة، وتسلط عصبة من رجال الأعمال، وغض الطرف عن الإخوان، وتوسع دور وتأثير نجله جمال على حساب دور وتأثير الرئيس الذي تدهورت صحته. لقد حكم مبارك بلاده لثلاثة عقود، فمل الجميع، وكان لا بد من التغيير. حين اندلعت ثورة 25يناير، كان تفاعل مبارك مع الأحداث بطيئاً وضعيفاً، فسهل ذلك القدر المحتوم لنظامه، ويحسب له البقاء في بلده ومواجهة مصيره بشجاعة، ولم يكن ذلك سهلاً حتى على بطل شجاع من قادة حرب اكتوبر 1973. المقارنات التي ضربت مبارك خلال حكمه أنصفته بعدها، حين كان مبارك رئيساً قورن بسلفه السادات، وأي مقارنة بين مبارك وبين سلفه تنتهي لصالح سلفه الذي سبق عصره. وحين غادر مبارك قصر الرئاسة قورن بخلفه محمد مرسي (جماعة الإخوان)، وهنا انتصر مبارك -لأول مرة - في لعبة المقارنات، خصوصاً من ناحيتي الوطنية والنضج.

كان السادات رئيساً لمصر، وكان مبارك مديراً لها، الرئيس يصنع السياسات ويفكر في المستقبل، بينما المدير ينفذ السياسة ويتابع تطبيقها ويتعامل مع الحاضر. مبارك رجل يشبه شعبه، رجل عادي، فيه الحسنة وفيه السيئة، وحسناته تفوق سيئاته، والمنتظر ان يكشف التاريخ الجوانب الغامضة في شخصيته وسياساته، وحينها سنكتشف قصة الرجل البسيط الذي دخل حفلاً منزلياً، وحين انتهى الحفل غادر الجميع إلا هو، أطال الجلوس فاضطر أهل المنزل لإخراجه بالقوة. 


MISS 3