رواد مسلم

هجوم بيلغورود إنذار داخلي لروسيا

27 أيار 2023

02 : 01

متطوّعون روس يُقاتلون إلى جانب كييف خلال ظهور إعلامي لهم في شمال أوكرانيا الأربعاء (أ ف ب)

بيلغورود الروسية منطقة استراتيجية وإدارية وعسكرية مهمة، حيث توجد فيها قواعد عسكرية تدريبية وممر أساسي للإمدادات اللوجستية نحو أوكرانيا، عبر شبكة مواصلات واسعة من طريق سريع وسكة حديد مرتبطين بميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم المحتلّة من روسيا منذ 2014، وفيها مخازن وقود ضخمة، فضلاً عن أنها على الحدود مع أوكرانيا فهي تبعد 70 كلم عن خاركيف و5 كلم عن الحدود، لذلك هي هدف استراتيجي مثالي لأعداء روسيا.

تعرّضت بيلغورود خلال معارك خاركيف للضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة الهجومية على مخازن الوقود من قبل الجيش الأوكراني، حيث كانت البقعة اللوجستية الخلفية للجيش الروسي. لكن منذ تحرير خاركيف الأوكرانية وإنسحاب القوات الروسية منها، لم تشهد بيلغورود أي إعتداء يذكر من الجيش الأوكراني الذي يعلن دائماً أن العمليات العسكرية لن تتخطّى الأراضي الأوكرانية وتهدف إلى تحرير الأراضي من الإحتلال الروسي.

شهدت منطقة بيلغورود هجوماً برّياً مفاجئاً السبت الماضي، وتضاربت المعلومات حول هوية منفّذ الهجوم، فالجيش الروسي يؤكد أن نظيره الأوكراني من نفّذ الهجوم، فيما تنفي أوكرانيا ضلوعها بهذا الهجوم مؤكدة أن هدفها تحرير أراضيها فقط وليس نقل المعارك إلى الداخل الروسي. فمن يمكنه أن يقوم بهذا الهجوم؟

منذ غزو أوكرانيا في شباط 2022، تصاعدت أصوات المعارضين الروس ضدّ إستبداد السلطة ومعارضة الغزو الروسي لأوكرانيا بسبب تداعياته الإقتصادية، حتى تشكّلت جماعات مسلّحة مناوئة لنظام الكرملين، تعمل داخل الأراضي الروسية وهي من جذور روسية، ولها علاقات عسكرية بالجيش الأوكراني، مثل «فيلق المتطوعين الروس» و»فيلق حرية روسيا»، الذين تبنّوا الهجوم على منطقة بيلغورود الروسية، وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي لعناصر من الفيلقين يشاركون في الهجوم.

شاركت عناصر «فيلق حرية روسيا» في معارك باخموت إلى جانب الجيش الأوكراني، وبالتالي يمكن أن يكون الجيش الأوكراني قد زوّدهم بالأسلحة الغربية لمهاجمة بيلغورود من عربات قتالية وأسلحة فردية، وبالطبع كانت أوكرانيا على علم بالتخطيط للهجوم. لذلك، هذا الضوء الأخضر من كييف يمكن أن يكون هدفه تشتيت الجيش الروسي من خلال سحب الإحتياطات من الجبهات في الداخل الأوكراني حيث يقوم الجيش الروسي بتحصين دفاعاته إستعداداً للهجوم الأوكراني المضاد وتوزيعها بعيداً.

أو يمكن أن يكون هدفه حرب نفسية على الرئيس فلاديمير بوتين لإظهار ضعفه في الداخل الروسي، حيث المعارضة تزداد قوّة، وهذا محرج لبوتين الذي يقود غزواً امتدّ لـ15 شهراً حتّى الآن، ادّعى بلا أساس أنه ضروري للحفاظ على أمن روسيا. وفي ظلّ جمود التقدّم الروسي وعائدات محدودة في ساحة المعركة، قد يواجه بوتين الآن استياء من أن الحرب تعطّل الحياة في الوطن، حتى إعلان قائد مجموعة «فاغنر» الروسية يفغيني بريغوجين، أن الخطر في الداخل كبير ويرى إحتمال حدوث ثورة مثل ما حصل عام 1917.

كانت العملية البرية أكثر طموحاً بكثير من عملية توغل في وقت سابق من هذا العام في منطقة بريانسك في روسيا، والتي ألقى الروس باللوم فيها على «القوميين الأوكرانيين المسلحين»، فعملية بيلغورود كغارة هي هجوم مفاجئ يهدف إلى إبقاء الجيش الروسي في موقف ضعيف قبل الهجوم الذي طال انتظاره من قبل كييف، واعطاء العالم صوراً دراماتيكية لمواطنين روس يحملون السلاح بنشاط ضد الكرملين. وفي حادثة منفصلة تدخل ضمن الحرب النفسية التي يشنها الفيلق المدعوم من أوكرانيا، فقد نشر «فيلق حرية روسيا» مقطع فيديو على «تلغرام» مساء الإثنين، يظهر فيه ما يسمّى بعلم روسيا الحرة باللونين الأزرق والأبيض يرفرف فوق جامعة موسكو الحكومية.

لطالما كانت موسكو حريصة على رسم صورة «الضحية الروسية» كذريعة لتصعيد الهجمات على أوكرانيا، بالنظر إلى ادعائها العلني بأن الغزو هو عمل دفاع عن النفس وضروري للحفاظ على روسيا آمنة. فبعد صدّ الجيش الروسي المهاجمين إلى الأراضي الأوكرانية باستخدام الضربات الجوية ونيران المدفعية والوحدات العسكرية، حيث ظلّوا يتعرّضون للنيران حتى تم القضاء عليهم بشكل كامل، لا شك في أن بوتين سيسعى إلى استخدام هذه الهجمات لتعزيز هذه الرواية، على الرغم من نفي كييف أن يكون لها أي تورّط رسمي.

من الممكن أيضاً أن يتبع ذلك استعراض قصير لمدى الغضب الروسي، شبيه بالرد على الحوادث السابقة التي أحرجت روسيا مثل حادثة الطائرة بلا طيار الغامضة فوق الكرملين هذا الشهر، والضربة على الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم المحتلّة في تشرين الأوّل، حيث ردّت موسكو بوابل من الهجمات الصاروخية عبر أوكرانيا، بما في ذلك العاصمة كييف.

من المحتمل أن يكون بوتين حريصاً على تركيز الاهتمام الروسي على الحوادث بعيداً عن الخطوط الأمامية، حيث تكافح قواته لتوجيه ضربة كبيرة ضد الدفاعات الأوكرانية، ويتضح ذلك بشكل واضح من خلال الجهود المكلفة التي استمرت لشهور للاستيلاء على مدينة باخموت غير المهمة نسبيّاً، والهجمات المكثّفة بالطائرات المسيّرة على كييف. لكن الأصعب بالنسبة إلى بوتين، هو أن بوادر حرب روسية داخلية أصبحت واضحة، ومن المؤكد حصول هجمات مماثلة من مقاتلين روس ضدّ النظام مستقبلاً، وبالطبع ستكون مدعومة من الجيش الأوكراني.


MISS 3