ليس غريباً على الرئيس الأميركي الـ45 دونالد ترامب أن يُهاجم بطريقته "التنمريّة" المعتادة خصومه داخل الحزب الجمهوري، وبالطبع في الحزب الديموقراطي. بيد أن ترامب لم يستسغ إطلاقاً نيّة الضابط السابق في البحرية الأميركية وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس الترشّح لنيل البطاقة الجمهورية لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ما دفعه إلى إطلاق حملة افتراضيّة ومن على المنابر الخطابيّة ضدّ "ديسانكتيمونيوس"، كما يحلو لترامب أن يُلقّبه ساخراً، حتّى قبل تقديم حاكم فلوريدا أوراق ترشّحه رسميّاً للجنة الفدراليّة للانتخابات الأربعاء الماضي.
يعتبر ترامب أنّه مَن "صَنع" ديسانتيس وأطلق نجمه السياسي حين أنقذه عندما كان متخلّفاً في استطلاعات الرأي أمام المرشّح الديموقراطي لحاكم فلوريدا أندرو غيلوم عام 2018. ولا يترك ترامب وفريق حملته الرئاسية مناسبة أو فرصة لتذكير ديسانتيس بـ"فضل" ترامب ودعمه له في أصعب الظروف آنذاك، ويُهاجمونه من باب ما يعتبرونه "قلّة وفاء"، إذ "ردّ الجميل" له بترشّحه ضدّه!
في المقابل، يرفض ديسانتيس هذه المقاربة السطحيّة بشكل جازم وحاسم. وبينما لا ينكر القائد اليميني الصاعد البالغ 44 عاماً وقوف ترامب (76 عاماً) إلى جانبه، إلّا أنّه يؤكد في الوقت عينه أنّ نجمه السياسي سطع بفضل عمله الدؤوب كحاكم نشيط وناجح لولاية فلوريدا، الأمر الذي تُرجم داخل صناديق الاقتراع في انتخابات العام الماضي حين استطاع التجديد لولاية ثانية بسهولة وبفارق هائل عن منافسه الديموقراطي تشارلي كريس، تجاوز المليون ونصف المليون صوت، محوّلاً بذلك فلوريدا من ولاية متأرجحة إلى ولاية جمهورية بامتياز.
كما يرفض ديسانتيس اتهامه بـ"قلّة وفاء" مزعومة، ويوضح أن ترشّحه يأتي في إطار محاولته إنقاذ المحافظين من هزيمة رئاسية يراها مع المجموعة الداعمة له، محقّقة، في حال نال ترامب بطاقة الترشيح الجمهورية. فلقد بات الرئيس الجمهوري السابق في نظر شريحة تتّسع شيئاً فشيئاً في صفوف الجمهوريين "عبئاً وطنيّاً" على حزب "الفيل". وبالنسبة إليهم، لم يُحقّق الجمهوريون "التسونامي" الأحمر الموعود في الانتخابات النصفيّة الأخيرة بسبب تبنّي ترامب ودعمه لمرشّحين ضعفاء فقط لأنّهم يدورون في فلك نفوذه، ما أدّى إلى فوز الجمهوريين بغالبيّة متواضعة في مجلس النواب وتراجع عدد مقاعدهم في مجلس الشيوخ عوض السيطرة عليه.
وفيما تُثقل الاتهامات الجنائيّة والدعاوى القضائيّة والمتاعب القانونيّة والفضائح الجنسيّة كاهل الحملة الرئاسيّة لترامب، يبرز ديسانتيس، الكاثوليكي من أصول إيطاليّة، كرب عائلة مسيحيّة محافظة وأب لثلاثة أولاد صغار وزوج وفيّ وملتزم وحنون، وقف إلى جانب شريكة حياته كايسي، الإعلاميّة السابقة الجميلة والأنيقة والمحنّكة والمحبوبة شعبيّاً، وقاتل معها سرطان الثدي الذي كانت تُحاربه عام 2021 قبل شفائها منه، وفق شهاداتها العلنيّة. وعلى الرغم من أنّها ليست حاسمة وحدها، تبقى هذه "الصورة النموذجيّة" أكثر من مهمّة ومعبّرة ومؤثّرة في الشارع الأميركي، خصوصاً في أوساط البيض من العائلات الإنجيليّة والكاثوليكيّة المحافظة التي تُشكّل "الخزّان الشعبي" للحزب الجمهوري، علماً أن ديسانتيس يحظى بدعم لافت في القواعد الشعبيّة للأقليّة اللاتينيّة الكبيرة في فلوريدا.
ترامب ما زال يتصدّر استطلاعات الرأي عند الجمهوريين، في وقت يحلّ حاكم فلوريدا ثانياً. لكنّ ديسانتيس، الذي يستطيع استمالة ناخبين وسطيين ومتردّدين وبعض الديموقراطيين الناقمين أكثر بكثير من غريمه الجمهوري اللدود، يلعب على وتر أنّه أوفر حظّاً لهزيمة جو بايدن في انتخابات 2024، ويحسم أنّ الرئيس الجمهوري السابق لن يستطيع الفوز في ولايات متأرجحة كأريزونا وجورجيا وويسكونسن وبنسلفانيا وغيرها من الولايات التي قد تُشكّل "مفاجأة سارة" غير متوقّعة لديسانتيس في الصراع على عرش المكتب البيضوي.
باستطاعة مرشّحين جمهوريين لن يكون لديهم حظوظ لمتابعة المنافسة مع الوقت، دعم ديسانتيس وتعزيز وضعيّته في وجه ترامب، أوّلهم نائب الرئيس السابق مايك بنس، إضافةً إلى الحاكمة السابقة لكارولينا الجنوبية والسفيرة السابقة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي. ما زال ديسانتيس متخلّفاً بفارق كبير عن ترامب في استطلاعات الرأي، وبالتالي فإنّ معركته لنيل بطاقة الترشيح الجمهورية صعبة للغاية، من دون أن تكون مستحيلة بطبيعة الحال. وأمام ديسانتيس فرصة حقيقيّة لإقناع القاعدة اليمينيّة الموالية لترامب بأنّه "الورقة الرابحة" وطنيّاً بعكس الرئيس السابق، فضلاً عن أنّ برنامجه السياسي يكاد يكون متطابقاً مع برنامج ترامب، مع مفارقة أنّ حظوظ حاكم فلوريدا أقوى بحمل هذا المشروع إلى البيت الأبيض، وتنفيذه بسلاسة وهدوء بعيداً عن الفوضى والصخب والدراما الهدّامة.