وليد شقير

الفريقان مع الفراغ بغياب صفقة خارجية

31 أيار 2023

02 : 04

في انتظار تفكيك شيفرة خطف الموظف السعودي في الخطوط الجوية السعودية وخلفياته، سياسية كانت أم غير سياسية، لا يحتاج المرء إلى جهد كبير لفكفكة شيفرة الانسداد المستمر في جهود ملء الفراغ الرئاسي، بعد الموقف الذي أخذه «الثنائي الشيعي» و»حزب الله» تحديداً، حيال جهود أطراف في المعارضة للاتفاق مع «التيار الوطني الحر» على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.

خطف المواطن السعودي، حتى لو لم يثبت أنّ هناك خلفيات سياسية وراءه، وحتى إذا كان بعض الأسئلة حول كيفية مروره على حواجز قوى الأمن والجيش من بيروت إلى البقاع ومن ثم إلى الأراضي السورية... ما زالت بلا أجوبة دقيقة، على اللبنانيين أن يترقّبوا مفاعيله على تكهنات البعض المتفائلة بإمكان رفع الحظر عن سفر السعوديين إلى لبنان، هذا إذا كانت هذه التكهنات استندت إلى معطيات حقيقية، أم أنها كانت مجرد تمنيات من قبل البعض.

الموقف من دعم المعارضة و»التيار الحر» ترشيح أزعور كما جاء على لسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، الذي اعتبره «مناورة لإسقاط» المرشح الذي اختاره «الحزب»، ورأى فيه «تآمراً» على المقاومة... والموقف الذي نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري بأن لا جديد رئاسياً ولا جلسة قريبة للبرلمان، وغيرها من المواقف الصادرة عن رموز «الممانعة»، تنسف كل ما قيل سابقاً بأنّ العقبة أمام إنجاز الاستحقاق غياب التوافق بين القوى المسيحية على مرشح واحد كشرط لدعوة النواب من أجل اختبار موازين القوى.

على رغم صحة القاعدة القائلة إنّه يستحيل انتخاب رئيس من دون التوافق مع «الثنائي الشيعي»، لأنّ باستطاعته تأمين الثلث المعطل لتطيير نصاب الثلثين، ولأنّه يصعب على الرئيس العتيد في حال انتخابه خلافاً لإرادة «حزب الله» أن يحكم ويشترك في تأليف حكومة جديدة بمواصفات إصلاحية، بغياب المكون الشيعي بالكامل عن اختيار رئيس الجمهورية، فإنّ اعتبار اتفاق القوى المسيحية «تآمراً» و»بدلاً عن ضائع»، يعني إعطاء الحق لمكون واحد فقط بأن يرفع الفيتو على أي مرشح رئاسي. أما سائر المكونات، فمحظور عليها التكتل والتوافق بين قواها، وإثبات حضورها في التركيبة الطائفية المعقدة، ولا سيما المكون المسيحي منها، على رغم أنّ تفاهم قواه مشوب بالكثير من الشكوك جراء غياب الثقة بينها.

مثلما يُسقط رفض «الثنائي» المرشح المحتمل الذي يمكن التوافق عليه بين القوى المسيحية ثم معه، الحديث عن ضرورة انتخاب الرئيس قبل 15 حزيران، فإنّ «حزب الله» لا يرى حاجة إلى قيام سلطة تنكب على معالجة الأزمة المالية الاقتصادية، ولا إلى ملء الفراغ المنتظر في حاكمية مصرف لبنان في شهر تموز المقبل. لذلك قال النائب رعد إنّ فريقه يتعامل «ببرودة أعصاب» مع ما يجري... بل إنّ بعض القيادات المسيحية يرى أن برودة «الثنائي الشيعي» أوصلت الوضع، في ما يخص تعيين بديل لرياض سلامة إلى اعتياد المسيحيين على فكرة تسلم نائبه الأول الشيعي مقاليد البنك المركزي.

المشكلة هذه المرة أنّ إبقاء الفراغ نتيجة إصرار «الحزب» على مرشحه وعدم استعداده للتفاوض على مرشح حل وسط، بل استخدام خلو الرئاسة وسيلة ضغط على الآخرين، يقابله موقف من بعض المعارضين هذه المرة بعدم الاكتراث بامتداد الفراغ لأشهر أخرى. فريق الممانعة متمرس في لعبة عض الأصابع ومن يصرخ أولاً، ويبدو أن الفريق المعارض يسير في هذا المنحى وبات مع إبقاء الفراغ.

ثمة من يعتقد أنّ «حزب الله» لن يتخلى عن مرشحه الذي يطمئن إليه على رغم أنّ خصومه لا ينوون طرح قضية سلاحه فور انتخاب الرئيس الجديد، إلا نتيجة صفقة خارجية تأتي برئيس وسطي. أي أنّ إيران و»الحزب» معها لن تتخلى عن رهانها الرئاسي في لبنان إلا نتيجة اتفاق بينها وبين أميركا أو مع المملكة العربية السعودية، لأنّ لذلك أثماناً لا يمكن للقوى المحلية أن تؤمنها. إلا أنّ العقبة أمام صفقة من هذا النوع أنّ الجانب الأميركي ليس في وارد دفع أي ثمن يغري طهران به واهتمامه بلبنان تراجع إلى أقصى الحدود، بعدما ضمن ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. أمّا السعودية فليس في حساباتها صفقة من هذا النوع في شأن لبنان، لأنّ أولويتها اختبار جدية الدعم الإيراني للتفاهم على إنهاء الحرب في اليمن، ورسم مسار واضح لمفاعيل التطبيع مع سوريا.


MISS 3