مايا الخوري

العلاقة الزوجية بين سندان كورونا ومطرقة الحجْر المنزلي

فادي الحلبي: لكل ثنائية خصوصيّتها... وأدعو إلى التعاطف!

30 آذار 2020

04 : 30

في ظلّ ارتفاع نسبة المصابين بفيروس "كورونا" في لبنان، نحن قد نكون أمام مرحلة مفتوحة الأمد من الحجر المنزلي، فكيف يستفيد الثنائيان من الوقت الفائض معًا؟ ما هي سبل حماية العلاقة من إلتهاب حاد؟ وهل يمكن أن يسير لبنان على خطى الصين في ارتفاع حالات طلب الطلاق بعد انتهاء الأزمة؟ الجواب في "نداء الوطن" مع فادي الحلبي، معالج ومستشار نفسي للأزواج والبالغين.


أجمعت آراء ثنائيين لبنانيين على اختلاف سنوات الزواج أن الحجر الصحي مناسبة للتعرف إلى الآخر من جديد، فهذا تعلّم إعداد القهوة لدعوة زوجته إلى جلسة صباحية في الشرفة، وذاك تعلّم طيّ الغسيل ويساعد في تحضير الطعام. وثمة ثنائي يمارس الرياضة معاً وآخر يخطط لتغيير ديكور المنزل لكسر الروتين، وشريك يكتشف التفاصيل اليومية لزوجته بدءاً من الواجبات المنزلية وصولاً إلى الواجبات العائلية والإهتمام بالأطفال.

ولكن رغم الإيجابيات التي أجمع عليها كثيرون، أطلق اللبنانيون حملة نكات واسعة وفيديوات ساخرة ملأت "السوشيل ميديا"، حول العلاقة المستجدة بين الأزواج في الزمن الكوروني، ومنها ما يتضمّن رقم هاتف محامي طلاق. فكيف يقرأ فادي الحلبي هذا الواقع؟

إستهلّ فادي الحلبي حديثه إلى "نداء الوطن" بالإشارة إلى أنه ليست هناك وصفة سحرية لتخطي الأزمات، بل يجب أن يجد كل ثنائي التوازن المناسب له والأدوات اللازمة. إنمّا الأهم برأيه هو الموقف الداخلي، حيث قال: "إذا زرعت خوفاً حصدته، وإذا كان سلاماً وإيجابية مع الإستمرار في متابعة الأخبار الكورونية و"السوشيل ميديا" طيلة النهار، ستتعرّض حتماً لإشعاعات سلبية وتسمم داخلي، ما يعرّض مناعتك لأمراض قد تكون أسوأ من كورونا، فتصبح العلاقة مع الشريك الآخر مسمّمة أيضاً وملتهبة. وذلك لأن التوتّر العالي هو العامل الأكثر تخفيضاً لمستوى المناعة في الجسم". ولا يقصد بذلك المناعة الجسدية فحسب، بل النفسية أيضاً. وأضاف: "إذا كنت قوياً داخلياً وخلقت حماية ذاتية داخلية وخارجية كافية ستكون محميّاً من كورونا وغيرها".

ولفت الحلبي إلى أن جزءاً من الأزواج يعيش أساساً علاقة غير صحيّة ويواجه مشكلات، فإذا لم يعرف كيفية مواجهة الأزمات الكبيرة والتعامل معها، وكيفية تحويل الخطر الخارجي إلى فرصة لمعالجة مشكلاته الداخلية، عندها ممكن أن تزيد وتتفاقم خصوصاً في ظل الإحتجاز الطويل الأمد معاً، بأجواء من التوتر الخارجي والقلق. ما قد يعزز حالات الاستفزاز بين الشريكين، وبالتالي غياب العلاقة الصحية المتبادلة. لذا من الممكن أن تكون هذه الفترة حرجة بالنسبة إلى الشريكين اللذين لا يعيشان علاقة صحيّة في الأساس".

هل يمكن القول بأن من يعيش علاقة صحية بمنأى عن أزمة علائقية مماثلة؟ أجاب:" أبداً، إذا لم يدركا كيفية التعامل بوعي وإيجابية أمام هذا التحدي. فإذا ركّز شريك على الخوف، وأفسح في المجال أمامه لإدارة مشاعره وأفكاره وتصرفاته، عندها يمكن أن يتعامل مع الشريك الآخر على أنه "مزبلة" يرمي فيها مخاوفه وطاقته السلبية، وبالتالي تلوثه الشعوري والفكري الداخلي ما يلوّث العلاقة".

إنطلاقاً من ذلك، شدّد الحلبي على أهمية الحديث في المستوى الشخصي قبل الحديث عن المستوى الثنائي، أي "كيف أتعاطى مع أزمة معينة سواء صحية أو إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية. فوفق التجارب، ليس الخطر الخارجي هو التحدي بحد ذاته، بل ما هو موقفي الداخلي تجاه الخطر الخارجي. إذ ليست "عدوى كورونا "بحد ذاتها ما يخلق عندي الخوف، بل أنا من يقرر في داخلي، إذا كان يجب أن أخاف ومقدار الخوف وكيفية التعامل معه".

ما السبب؟ قال: "عموماً هناك رغبة في العمق تتلطى وراء الخوف. لذا نسأل "ما هي الحاجة المخبّأة وراء الخوف من كورونا؟". منطقياً هي الرغبة بصحة جيّدة. إذاً بدلاً من التركيز على الخوف، يجب التركيز على الحاجة، أي الإهتمام بالذات، ممارسة الرياضة، تناول الطعام الصحي، الاستفادة مما اكتسبته بطريقة إيجابية. فأحوّل خوفي إلى فرصة لمحاولة العيش مع الآخر حالاً صحيّة".

وتعليقاً على النكات التي تملأ الصفحات الإفتراضية، قال: "طالما حاول اللبناني تحويل أزماته ومآسيه إلى مهزلة، وكأنها وسيلة دفاعية جماعية لبنانية تجعله يأخذ مسافة من الأزمة والخطر. إنها وسيلة صحية، بدلاً من تحويل الوضع إلى الدراما، نستطيع أن نسخر من أنفسنا في هذا الوضع. ولكن من المهم ألا تؤدي بنا إلى ما يسمّى "نكران"، أي ألا نحمي أنفسنا أو من هم حولنا. فهناك فارق بين تقليص الدراما في الأزمات وبين أن تنتج عنها قلة حماية لأنفسنا وللآخر".

الثنائي اللبناني إذاً أمام تحدٍ، فكيف يستفيد من الحجر المنزلي لتعزيز العلاقة؟

قال الحلبي: "صحيح أن المجتمع اللبناني مقارنة مع الشعوب الأخرى يعيش نشاطات إجتماعية ناشطة ومهمّة، لهذا السبب قد يشعر بالحجر المنزلي أكثر من سواه فيعتبر أنه حُرم من أمور إعتبرها أساسية في حياته. ولكن أدعوه إلى مراجعة ذاتية وإعادة تحديد أولوياته فيسأل نفسه ما هي الأمور الصغيرة التي تبعث فيّ الفرح، كيف يمكن تقويم قيمنا ومبادئنا لغربلة السطحي والعميق". 


عادة يشتكي الزوجان من عدم إيجاد الوقت الكافي للجلوس معاً بسبب الإلتزامات اليومية خارج المنزل وداخله، فيما راهناً، هناك وقت كافٍ يمكن الإستفادة منه والتخطيط له، بدلاً من أن يكون الوقت مسكوناً من الخوف، فيتقاذف الشريكان شعورهما. أو أن يكون شريكٌ يخاف كثيراً والثاني هادئ، فتتحول العلاقة إلى ساحة معركة، فتدخل بأزمة غير صحية. فليعتبرا أنهما يقضيان عطلة نهاية الأسبوع في الجبل مثلاً، وعليهما التخطيط لقضاء وقت ممتع ونشاطات مسليّة. يمكنهما مشاهدة أفلام عبر "نيتفلكس" أو متابعة دروس "أون لاين" للتثقيف الذاتي أو إعداد ألعاب إجتماعية عائلية يمكن مشاركتها مع الأولاد، أو إعداد جلسات "أون لاين" بين الأصدقاء، لعب الورق، متابعة مسلسلات تلفزيونية، وربما نفض الغبار عن المكتبة أو تغيير ديكور معيّن لكسر الروتين، أو إعداد الطعام معاً". مؤكداً أنه في كل الأحوال، لا وصفة عالمية محددة لكل الثنائيات، فلكل منها إهتماماتها الخاصة. ولكنها ربما فرصة أيضاً ليتعرّف الآباء إلى أجواء المنزل، والتفاصيل اليومية التي تعيشها الزوجة من ضمن مسؤولياتها المنزلية، إنما من دون التدخّل في هذه التفاصيل لئلا يتحوّل الجوّ نكدياً. أدعو الرجل اذاً الى أن يكون داعماً لا ناقداً". أمّا بالنسبة إلى الشريكين اللذين يواجهان أساساً تشنّجات، فدعاهما إلى الاستفادة من هذا الحجر المنزلي، والتركيز على الأمور الإيجابية. وأضاف: "ليجلسا معاً للتحدث بشفافية عمّا يشعران ويفكّران به، فيرمّما علاقتهما ويفتحا صفحة جديدة. وذلك لأن تراكم التشنجات بسبب الانشغالات اليومية والتأجيل، تفجّر الأمور وتتفاقم".


من جهة أخرى شدّد الحلبي على أهمية إحترام الوقت الشخصي للثنائيين. "كونهما يعيشان معاً، لا يعني ذلك أنه مسموح المراقبة طيلة الوقت ومرافقة الشريك في كل لحظة. يجب تحقيق توازن بين المساحة الشخصية والمشتركة من ضمن البيت الواحد. يعني أن يُفسح في المجال أمام الشريك، لقضاء بعض الوقت بمفرده، للقراءة أو الاستراحة او الكتابة. يجب احترام هذا الوقت، فمن المهم أن تكون هناك فترات خاصة، وفترات للثنائي، وفترات للعائلة. وإلا شعر الشريك بأن الآخر يجتاح خصوصيته أو مساحته الشخصية".

وأضاف: "لا يمكن الاستخفاف بهذه المساحة التي لا تخلو من التحديات، فقد تتدهور العلاقة بين الشريكين غير المؤهلين لها، أمّا من يتمتعان بذكاء عاطفي فيمكنهما تمرير الفترة بأقلّ ضرر ممكن، فيما يتمتع الثنائي في الوسط بفرصة لرفع مستوى العلاقة".

واستطرد الحلبي في حديثه عن الأزمات إلى وضع اللبناني في زمن "كورونا"، قائلاً: "صحيح أنه لا يُحسد عليه، لأن الوباء ظهر في أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان، في مرحلة أكبر انهيار إقتصادي سياسي نواجهه، ولكن في الوقت نفسه، ومقارنة مع الدول الكبرى التي انهزّت إجتماعياً وإقتصادياً، تبيّن أن اللبناني يتمتع بمرونة نفسية نتيجة تآلفه مع الأزمات المماثلة مقارنة مع المواطن الأجنبي الذي استضدم بالإنهيار المالي والصحي والإقتصادي.

لهذا السبب تضغط هذه الأوضاع على العائلات الأكثر حاجة أو فقراً، التي إن لم تعمل ماتت جوعاً، لذا يجب تأمين الوسائل المجتمعية لحمايتها. ويكون ذلك عبر تحقيق مؤازرة بين الدولة والبلديات والناس المقتدرة مادياً، لخلق شبكات أمان حماية لهؤلاء على صعيد الأمن الغذائي على الأقل إذا استثنينا الأمن النفسي والإقتصادي والإجتماعي".

ودعا الحلبي في نهاية حديثه، الثنائي إلى "اكتشاف قيمة التعاطف، أي الدعم، أي أن يشعر الشريك بما يفكر شريكه، فلا يكون في موقع دفاعي أو إتهامي، بل أن تتمتع العلاقة بشفافية لتكون علاقة دعم ومناعة وحماية ذاتية من جهة، وعلائقية من جهة أخرى لا مأساة إضافية إلى "كورونا". كما دعا الأزواج إلى أن يكونوا قدوة لأولادهم في كيفية تخطي الأزمات ونموذجاً إيجابياً لأن القلق المستمر سينعكس "عدم أمان" عند الأولاد.

ونصحهم قائلاً: "لا حل مثالياً ولا شيء يمنع الخوف في المطلق، أو الإرتباك أو الملل، ولكن بمقدار ما أكون مستقلاً داخلياً ومحترماً مناعتي النفسية والعاطفية والعلائقية أستطيع تمرير هذه المرحلة بأقل أضرار فأتعلم عادات جديدة وأدخل قيماً جديدة إلى العلاقة، ونكتشف بعضنا بعضاً بطريقة مختلفة، لنخرج من هذه الأزمة أنضج وأعمق حاملين زوّادة حياتيّة. فالأزمات مناسبة للنضج، والشخص المهيأ لذلك هو الذي يخرج منتصراً في النهاية!"


MISS 3