جورج بوعبدو

يتعلّمون العزف والغناء مع أمهر المتخصّصين

بيروت ترنّم "السيستيما"...فُسحة أمل لأطفال لبنان

10 حزيران 2023

02 : 03

أثناء التمارين في جامعة الحكمة - فرن الشباك
في ظلّ الأزمات المتتالية التي تشهدها البلاد وتداعياتها الإقتصادية الكارثية ووسط تعذّر المؤسسات التربوية الحكومية على أكثر من صعيد وتهالك الكونسرفتوار الوطني، يجهد القيّمون على مؤسسة "بيروت ترنم - السيستيما" على ملء الفراغ المؤسساتي في الميدان الموسيقي، بورش عمل مجّانية يستفيد منها أكثر من 170 طفلاً من مختلف أنحاء البلاد والخلفيات، بأعمار تتراوح بين الخامسة والسادسة عشرة وبمشاركة أهم الاساتذة في الاختصاص الموسيقي. والبرنامج المذكور والمقتبس من تجربة El Sistema العالمية التي مهّد لها المايسترو "خوسيه أنطونيو أبرو" في فنزويلا في العام 1975، ساعياً الى ترسيخ الموسيقى كوسيلة للتنمية الاجتماعية، وإتاحة فرصة تعلّم الموسيقى أمام المحرومين وذوي الدخل المحدود. والبرنامج في لبنان مموّل من قسم الشؤون الدبلوماسية بالسفارة الأميركية في بيروت وهو يمتدّ على عام كامل يتعلّم فيه الطلاب الكمان والباس والفيولا، بالاضافة الى فنّ الغناء ضمن جوقة وذلك عبر لقاء أسبوعي في جامعة الحكمة في فرن الشباك، علماً أن مصاريف التنقل مؤمّنة، ما يسمح لعدد كبير من الاطفال من الاستفادة منه. ويختتم البرنامج في شهر آب المقبل بحفلة ضخمة للاطفال المشاركين سيتمّ الاعلان عنها قريباً.



كان لافتا أواخر شهر أيار الماضي احياء اطفال «السيستيما» حفلة موسيقية مشتركة مع فرقة Black Alley لموسيقى «الغوغو» الاميركية، التي تمزج بين موسيقى الـ «راب» والـ «روك» والـ «تراب» متألقين في حفلة ناجحة بكل المقاييس بانضمامهم الى مغنية الفرقة الاميركية كايسي وليامز عبر الجوقة، وعزفاً على الوتريات بحضور القائم بأعمال السفارة الاميركية ريتشارد مايكليز، ورئيسة جامعة الحكمة الدكتورة لارا البستاني، ومديرة مهرجان «بيروت ترنم» ميشلين أبي سمرا، فضلاً عن الأهل وفعاليات الجامعة وحشدٍ إعلامي وثقافي.





تبدي رئيسة جامعة الحكمة البروفسور لارا كرم البستاني سعادتها العارمة للتعاون مع "بيروت ترنم" على توفير هذا البرنامج لأطفال لا يملكون القدرة على متابعة تحصيلهم الموسيقي. فوسط الازمات الاقتصادية المتتالية وانهيار كافة المؤسسات الحكومية، لا سيما التربوية منها، وتعثر المؤسسات الخاصة، من يولي اهتماماً بالموسيقى التي تصبح من الكماليات عند الافتقار الى لقمة العيش وأدنى مقومات الحياة؟






تهبّ "بيروت ترنم" لانقاذ الموقف، فالموسيقى بالنسبة إليها أداة لتوحيد اللبنانيين، وهو ما يظهر جلياً في المناسبات المختلفة والحفلات التي أحيتها منذ بدأ الشلل الاقتصادي يتغلغل في شرايين البلاد، فما وجدناها يوماً تيأس أو تستسلم مقدمة حفلة مجانية تلو أخرى في أحلك الظروف واكثرها شدة متحولة الى بصيص نور في آخر النفق. تشير البستاني الى أنّ اللجنة التنظيمية لبرنامج الـ"سيستيما" لبنان بشخص مديرها ريشارد عازوري اتصلت بها عارضةً عليها المشروع، الذي كان يفترض في بداية انطلاقته أن ينتقل من منطقة الى أخرى على امتداد الوطن لتعليم الاطفال على الموسيقى والغناء، فحالت الظروف الاقتصادية الكارثية وارتفاع أسعار المحروقات الجنوني دون ذلك، فارتأى عازوري بالتوافق مع رئيسة جامعة الحكمة لارا البستاني لمّ شمل أطفال الوطن تحت قبة الجامعة، وتخصيص بدل للنقل يسمح للاهالي بإحضار أولادهم الى مسرح التمارين ومواكبة فصولهم التعليمية بأم العين. "نعيد عبر هذه المبادرة التأكيد مرة أخرى على دور جامعتنا العريق في توحيد شمل اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الاجتماعية، ونبرهن مجدداً بأنّ جامعة الحكمة من المؤسسات الصامدة والمصرّة على مواجهة الأزمات المتلاحقة بصلابة مع وقوفها الى جانب اللبنانيين كافة"، توضح البستاني.





رئيسة لجنة مهرجانات "بيروت ترنّم" Beirut Chants ميشلين أبي سمرا تؤكد بدورها على أن "الموسيقى هي ملك الجميع وحقّ الجميع، وإنطلاقاً من هذا الشعار إنطلق هذا البرنامج بدعم من السفارة الأميركية لإنشاء برنامج تدريبي يتيح للأولاد تعلّم الموسيقى الكلاسيكية وتثقيفهم، فللموسيقى دور فعّال في تغيير النفوس وبناء المجتمع وهو دورٌ لا نستخف به أبداً في "بيروت ترنم"، فالثقافة هي التي تبني أجيال المستقبل وتشكل ضمانة لغدٍ أفضل وهي ضرورة كالخبز والملح كغذاء للروح في وجه الازمات والشدائد، وهو تماماً ما نقوم به في كل الحفلات التي نقدمها فنرفض الاستسلام لمنطق الانهيار ونشعل شمعة بدلاً من لعن الظلام وتكتيف اليدين، وأشكر هنا كلّ من سخّر طاقته لانجاح البرنامج وأدخل البهجة الى قلوب الاطفال والعائلات المحرومة"، تعلّق أبي سمرا. وتكمل بابتسامةٍ عريضة: "أذهلني الاطفال باحترافيتهم أثناء الحفلة التي قدموها مع أحد أهم فرق العاصمة الاميركية واشنطن. كان أداؤهم رائعاً بكلّ معنى الكلمة. إننا فخورون بما حققوه حتى الآن من تقدّم وقد سمعنا الكثير من الاطراء من السفارة الاميركية وفرقة "بلاك آلي" على السواء".



فرقة Black Alley في حفلة مشتركة مع اطفال "السيستيما" على مسرح جاامعة الحكمة - فرن الشباك



يوافقها المدير المسؤول عن البرنامج ريشارد عازوري الرأي موضحاً أن برنامج الـ"سيستيما" يطبّق للمرّة الأولى في لبنان بعد اعتماده في كثير من دول العالم على غرار قبرص واليونان وجنوب أميركا وأفريقيا. ويوضح: "لم نكن نتوقع هذا الاقبال الكثيف على البرنامج. لقد فاق النجاح كل ما توقعناه إذ كان من المتوقع مشاركة 60 طالباً فحسب في هذا البرنامج وانتهينا بأكثر من 160 طالباً من المناطق كافة، علماً أنّّ طلبات الانضمام استمرت بالتدفق رغم إغلاق باب تقديم الطلبات، فكان علينا في مرحلة من المراحل اتخاذ القرار المؤلم بعدم قبول أي طلاب إضافيين خصوصاً أن ذلك يؤدي الى تأخير تقدّم من بدأوا بصفوف الموسيقى والغناء". ويتابع: "لقد غطّينا تكاليف النقل وأمنّا الآلات الموسيقيّة وهدف الـ"سيستيما" هو تغيير المجتمع الى الأفضل من خلال اللقاءات والتعارف تحت سقف الموسيقى الجامع. جاء التغيير في الخطة الاساسية لصالح البرنامج عكس كل التوقعات، فبدل أن نذهب بالاساتذة نحو الطلاب في مناطقهم جمعناهم تحت قبة الجامعة هنا في بيروت كل يوم سبت من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً فيعزفون معاً كلّ في الصف المناسب لمستواه، ثم، وفي الساعة الاخيرة، نجمع الأطفال كلهم، من عازفين ومؤدين في الجوقة، معاً لأداءٍ نهائي. وقد أدّى هذا اللقاء الدائم الى بناء أواصر علاقة متينة بين الاطفال من خلفيات وثقافاتٍ مختلفة، فتعرف الأطفال الى اخوانهم في الوطن بأجمل صورة، خصوصاً في فترة الاستراحة التي يتقاسمون خلالها لقمةً نقدمها لهم أيضاً مجاناً. ويكمل عازوري: "تؤدي Beirut Chants El Sistema دوراً يعجز الكونسرفتوار الوطني ومؤسسات الدولة عن أدائه ونحن سعيدون لملء الفراغ هذا والمساهمة في مدّ أطفالنا ببعض الأمل وإدخال الفرح الى قلوبهم، علماً أن الحصص التي نقدّمها للاطفال تتجاوز الموسيقى فنحن نستقدم كذلك متخصصين لتعليمهم أساسيات العيش المشترك والانفتاح على الآخر، وتقديم التوعية لهم في مجالات مختلفة كتقبّل الآخر، وحقوق الانسان، وحماية البيئة وقد عملنا في الاسبوع الماضي مع جمعية Lebanon Waste Management لتعليم الاطفال على إعادة التدوير وأهمية عدم رمي البلاستيك والنفايات في الشوارع".





أعضاء فرقة Black Alley عبّروا عن سرورهم للمشاركة في هذه التجربة الفريدة وعلّق مدير الفرقة كام بولز على الأمر قائلاً: "أتينا إلى هذا البرنامج لإطلاع اطفال السيستيما على موسيقى "الغوغو" الأميركية ولتبادل الثقافات بيننا. لقد أذهلتنا حماسة هؤلاء الاطفال للتعرف على موسيقانا وتفاجأنا فعلاً بمستواهم العالي وبمدى جديتهم أثناء التمارين، وكانت الحفلة التي قدمناها معهم متعة حقيقية خصوصاً أن الاطفال من مناطق مختلفة وخلفيات متعددة ومعظمهم من محيطٍ متواضع وبالتالي يسعدنا أن نسهم في زرع الابتسامة على وجوههم".

ويختم بولز: "كانت تجربة جديدة ورائعة لنا، اذ لم يسبق أن عزفنا مع أوركسترا أو رباعي الآلات الوترية أو غنينا مع جوقة من الاطفال. كان فعلاً مدهشاً أن نجمع بين طريقتنا في العزف وطريقة اللبنانيين. وقد لمسنا بأم العين أهمية برنامج "السيستيما" في ادخال البهجة الى قلوب أطفال لبنان وأسعدنا أن نسهم في ذلك بدورنا".




MISS 3