التحفيز العميق للدماغ أثناء النوم يُحسّن الذاكرة

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن التحفيز العميق للدماغ خلال أعمق دورات النوم يُحسّن قدرة الدماغ على تشكيل الذكريات. النوم عامل أساسي للحفاظ على الصحة والراحة وتقوية الذاكرة. ربطت أبحاث سابقة بين النوم السليم ومجموعة كبيرة من المنافع، مثل تحسّن الذاكرة والقدرات المعرفية. حتى أن اضطرابات النوم قد تزيد خطر الإصابة بالخرف.

يكشف باحثون من جامعة كاليفورنيا الآن معلومات إضافية عن ما يفعله الدماغ لترسيخ الذكريات خلال النوم. نُشرت نتائج الدراسة حديثاً في مجلة «ناتشر نورو ساينس».

ما معنى النوم العميق؟

يمر الجسم بأربع مراحل مختلفة أثناء النوم:

المرحلة الأولى: يبدأ الفرد بالاستغراق في النوم وتشمل هذه المرحلة حركة العين الخفيفة وغير السريعة.

المرحلة الثانية: إنها مرحلة أكثر عمقاً من حركة العين غير السريعة حيث يتابع الجسم الاسترخاء.

المرحلة الثالثة: إنها أعمق فترة من حركة العين غير السريعة وأطول مرحلة من النوم.

المرحلة الرابعة: إنها مرحلة حركة العين السريعة حيث تنشأ أكثر الأحلام حيوية، وهي أقرب فترة إلى الاستيقاظ.

في الحالات العادية، تمرّ ساعة من الوقت بين الاستغراق في النوم وبدء مرحلة النوم العميق. يصعب على الفرد أن يستيقظ في هذه الفترة. في مرحلة النوم العميق، تتباطأ الموجات الدماغية لأقصى حد، ما يسمح للدماغ بالاسترخاء والتعافي.

يظن الباحثون أيضاً أن النوم العميق يؤثر على الوظيفة المعرفية الصحية وتشكيل الذكريات. كذلك، يطلق الجسم في مرحلة النوم العميق مجموعة هرمونات لإصلاح الأنسجة، والعضلات، والعظام، وتنظيم أيض الغلوكوز، وحماية عمل جهاز المناعة.

يوصي الأطباء وخبراء الصحة الراشدين بالنوم طوال سبع ساعات على الأقل يومياً، ما يسمح للجسم بالبقاء في مرحلة النوم العميق لفترة مفيدة. في المقابل، قد يُسبب الحرمان من النوم مشاكل مثل التعب، وتعكّر المزاج، وصعوبة التركيز أو استرجاع الذكريات. كذلك، برزت روابط بين قلة النوم المزمنة وزيادة خطر الإصابة بحالات مثل الزهايمر، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والبدانة، والاكتئاب، والقلق.

ما هو التحفيز العميق للدماغ؟

قد تُستعمَل هذه التقنية لمعالجة بعض أنواع الأمراض الدماغية. يستخدم هذا العلاج أقطاباً كهربائية مزروعة داخل مناطق معينة من الدماغ. تعمل تلك الأقطاب بفضل جهاز مشابه لمُنظّم ضربات القلب يوضع في أعلى منطقة الصدر، تحت البشرة مباشرةً. يربط السلك تحت الجلد بين الجهاز والأقطاب الكهربائية ويبرمج الطبيب الجهاز لإنتاج النبضات التي يُفترض أن تصل إلى تلك الأقطاب.

أي رابط بين النوم العميق والذاكرة؟

يقول الدكتور جان فيليب لانغفين، جراح أعصاب ومدير برنامج جراحة الأعصاب التصحيحية وتحفيز الدماغ العميق في «معهد علم الأعصاب» التابع لمركز «سانت جونز هيلث» في سانتا مونيكا (لم يشارك في البحث الجديد): «يُعتبر الرابط بين النوم وتشكيل الذكريات ظاهرة مثيرة للاهتمام. تتعدد النشاطات العصبية التي يشهدها الدماغ ولا تحصل إلا أثناء النوم، وهي ترتبط في معظم الحالات بنوعية ترسيخ الذكريات. أثناء النوم، لا نحتاج إلى التنبه لأي حوافز أو عوامل في محيطنا، لذا يتسنى للدماغ أن يُركّز على ترسيخ الذكريات. إذا كنت تُركّز خلال النهار مثلاً على عمل معيّن أو تريد حصر دماغك بمسألة محددة لإتمام بعض الأعمال، لن يكون هذا الوقت مناسباً لترسيخ الذكريات. لكن حين تهدأ الأجواء ليلاً، يمكن استعمال الدماغ لترسيخ بعض ذكريات النهار».

التحفيز العميق للدماغ يحسّن الذاكرة

يوضح البروفيسور يوفال نير، وهو أحد المشرفين على الدراسة والباحث الرئيسي في مدارس الطب وعلم الأعصاب والهندسة الطبية الحيوية: «لطالما كان تأثير النوم على الذاكرة طويلة الأمد موضوعاً علمياً مثيراً للاهتمام، لكن ترتكز الأبحاث السابقة عموماً على دراسات حيوانية أو دراسات بشرية غير غازية. لهذا السبب أردنا أن نستكشف النوم البشري والذاكرة عبر استعمال مقاربة ناشطة لتقييم دور التناغم بين منطقة الحصين والقشرة الدماغية خلال هذه العملية».

لإجراء الدراسة الجديدة، أشرك الباحثون 18 مصاباً بالصرع كانوا قد زرعوا أقطاباً كهربائية في أدمغتهم. استُعمِلت هذه الأقطاب لتحديد مصدر نوباتهم. في أول ليلة من الدراسة، شاهد المشاركون صوراً مزدوجة لمجموعة حيوانات إلى جانب 25 شخصية مشهورة يسهل التعرّف عليها. ثم خضعوا لاختبار فوري لتقييم قدراتهم على تذكّر الصور قبل النوم. اختبر العلماء أيضاً قدرة المشاركين على تذكّر الصور في صباح اليوم التالي بعد ليلة من النوم الهادئ.

خلال الليلة الثانية والأخيرة من الدراسة، عُرِضت أمام المشاركين 25 صورة جديدة للحيوانات والمشاهير. ثم أخضعهم العلماء أثناء نومهم لجلسة مستهدفة من التحفيز العميق للدماغ، قبل أن يخضع المشاركون مجدداً لاختبارات الذاكرة في الصباح.

يوضح نير: «ابتكرنا نظاماً جديداً يقرأ النشاط الكهربائي في منطقة الحصين ومحيطها في الوقت الحقيقي خلال النوم ويُحدد أوقاتاً معينة من ذلك النشاط لإطلاق نبضات تحفيزية في الفص الجبهي. يسهم هذا النوع من التحفيز في إقامة تواصل فاعل بين مختلف المناطق الدماغية المسؤولة عن تشكيل ذكريات جديدة والمناطق التي تتولى تخزينها على المدى الطويل».

نحو الوقاية من الخرف واختلالات الذاكرة؟

عند تحليل النتائج، اكتشف الباحثون أن المشاركين في الدراسة قدموا أداءً أفضل في اختبارات الذاكرة بعد الليلة الثانية من النوم المتواصل والتحفيز العميق للدماغ، مقارنةً بأول ليلة اقتصرت على النوم بكل بساطة.

يقول نير: «يُعتبر التدخل خلال النوم مقاربة فريدة من نوعها ويمكن تطويرها مستقبلاً لتجديد آمال المصابين بخلل في الذاكرة، مثل الخرف. من خلال تعزيز العملية الطبيعية التي تحصل خلال النوم، نجحنا في تحسين أداء الذاكرة». كذلك، يذكر العلماء أن أهم المؤشرات الكهربائية والفيزيولوجية أشارت إلى تنقّل المعلومات بين الحصين والقشرة الدماغية، ما يمنحهم أدلة ملموسة على ترسيخ الذكريات.

في النهاية، يستنتج لانغفين: «أنا شخصياً أعتبر استعمال التعديل العصبي لتحسين ذاكرة المصابين باختلالات في الذاكرة بسبب أمراض الخرف، مثل الزهايمر أو حتى الإصابات الدماغية الصادمة، احتمالاً مثيراً للاهتمام. ربما يتضرر جزء من الآليات المنتظمة الخاصة بتشكيل الذكريات وترسيخها بسبب المرض، لكن قد تسمح هذه الطريقة بتجاوز جزء من النشاط العصبي المنتظم تزامناً مع الحفاظ على ذاكرة سليمة».


MISS 3