كلا، لستم الوحيدين الذين «تتقلبون» طوال الليل بحثاً عن طريقة تساعدكم على النوم ولو قليلاً. ففي الفترة الأخيرة ظهرت هذه المشكلة بشكل واسع عند عدد كبير من اللبنانيين، بسبب الأزمات المتلاحقة في البلاد بدءاً من الوضع الإقتصادي والإجتماعي مروراً بجريمة المرفأ والخوف من الهزات الأرضية وصولاً إلى الحرب في غزة وخشية امتداد شرارتها إلى لبنان. وهذه الحالة أو الأرق ليس طبيعياً وينتج عنه عدد من المشاكل الأخرى، ما يحتّم علاجه والتخلص منه. كما أنّ اللجوء إلى الأدوية المهدئة ليس الحل السحري، لا بل له عوارض جانبية أسوأ من قلة النوم. وإذا كنتم تعانون من اضطرابات النوم فهذه السطور قد تهمكم.
إرتفع عدد المرضى الذين يشكون من قلة النوم او النوم المتقطع بشكل حاد غير مزمن في السنوات الأخيرة، والذين يقصدون الاختصاصيين بحثاً عن حلّ جذري لهذه المشكلة المزعجة. فعيادة رئيس قسم الطب الداخلي وأمراض النوم في مستشفى «القديس جاورجيوس الجامعي» الدكتور جورج جوفلكيان، خير دليل على معاناة اللبنانيين من القلق والضغط النفسي التي فرضت عليهم فانعكست مشاكل متنوعة. نسأله عن انطباعه عن هذه الحالات، فيقول إنها «نتيجة مباشرة للمشاكل في لبنان والتي تنقسم الى 4 صدمات جدّية، بدأت مع جائحة «كورونا»، تبعها انفجار «4 آب» ولا سيما بالنسبة للضحايا أو ذويهم، الأزمة الاقتصادية خصوصاً للمواطنين الذين خسروا مدخراتهم ووقعوا في معضلة ايجاد البديل لسداد التزاماتهم المادّية، الهزات الأرضية الذي تأثر بها لبنان وصولاً الى الوضع الحالي في المنطقة. اذاً، نحن نتكلم عن اضطراب ما بعد الصدمة أو ما يعرف بالـ PTSD (Post traumatic stress disorder) الذي يقسم الى درجات عدّة وغالباً ما يكون موقتاً. بشكل أوضح، تخلق الأزمات اضطرابات في النوم لأنها تظهر على شكل مشكلات فجائية تربك الشخص غير الجاهز للتعامل معها، فيعاني من قلة التوازن الى حين تأقلمه معها، فينتج عن هذه الحالة التوتر الذي ينعكس على جهازين اساسيين هما الجهاز الهضمي وجهاز النوم».
إياكم والأدوية المهدئة
من الطبيعي ان يعاني معظم الناس من هذا الاضطراب، مع العلم أنّ الغالبية تتأقلم معه وتجد وسيلةً للتخلص منه، في حين يحتاج البعض الى مساعدة مثل الذين يقصدون الاختصاصيين في هذا المجال او يتوجهون الى المعالج النفسي. فمن هم الأكثر عرضةً لهذا الاضطراب؟ يجيب: «هم الذين يعانون من مشاكل نفسية أو التوتر، ومن أمراض صحية أخرى مثل السكري، ضغط الدم، ومشاكل في القلب التي تؤثر على نوعية نومهم. أمّا المشكلة الأساسية فتكمن بالذين يلجأون الى الأدوية المهدئة ظنّاً منهم أنها كفيلة بمنحهم قسطاً من الراحة والنوم. وهذا وضع جزء كبير من الشعب اللبناني للأسف، الذي يستخدم أدوية البنزوديازيبين مثل الفاليوم وليكسوتانيل والزاناكس وغيرها، كحل لمشكلته. هذه العقاقير خطيرة جدّاً، تسبب مشاكل الادمان وتخلق مشاكل أخرى عن تلك التي يعاني منها المريض».
أنواع الأرق وعلاجاته
زيارة الاختصاصي بحثاً عن التشخيص وبالتالي العلاج، تبقى الحل الأنسب، بحسب د. جوفلكيان، الذي يشير الى أنّ «تشخيص الحالة على انها اضطراب في النوم يتطلب زيارة مختص، وعلى هذا الاساس تشخّص المشكلة اذا كانت حادة او مزمنة»، مضيفاً: «نشخص الحالة على انها أرق (Insomnia)، بعد مرور 3 اشهر متواصلة على قلة النوم. معظم الأشخاص، عانوا من هذه الحالة بعد تأثرهم بمشكلة ما وتخلصوا منها بعدها، وهذا ما نصنفه على أنه أرق حاد (acute insomnia)، يكون موقتاً ويشفى منه الشخص من تلقاء نفسه بعد التخلص من المشلكة التي سببت له هذا الاضطراب».
وعن العلاجات المطروحة، يقول: «تفصل بحسب حالة كل مريض، وبعد التشاور معه للوصول الى الطريقة الانسب لتحسين نوعية نومه وخروجه من حالة الارق قبل اللجوء الى الادوية التي ان وصفت فتحت اشراف الطبيب. وهنا لا بد من التشديد على أنّ العقاقير ليست العلاج الاولي بل داعم مساعد للعلاج الاساسي الذي يبدأ بالتشخيص ومتابعة التفاصيل التي سببت المشكلة». وتوجه الى اللبنانيين خاتماً «لا تعتبروا مشاكل النوم أمراً طبيعياً يجب التأقلم معه، وابتعدوا عن الكحول والادوية المنشطة وتلك التي تساعد على النوم، واستشيروا اختصاصي النوم او المعالج النفسي او الاثنين معاً، كي لا تتحول المشكلة التي يمكن التخلص منها الى أخرى مزمنة».
حالة عامة من التوتر
من الناحية النفسية، يعتبر القلق والاكتئاب والخوف من الاسباب الأساسية لاضطرابات النوم، فأول عارض يظهر عند من يعاني اضطراباً نفسياً يتمثل بمشكلات النوم مثل الأرق أو زيادة ساعات النوم وغيرها... نستشير إختصاصية في علم النفس العيادي الدكتورة كارول سعادة، فتقول: «في المباشر، من الطبيعي ان يتأثر الانسان بالأزمات ولا سيما تلك التي ترفع مستوى الضغط النفسي، فترتفع معها افرازات الكورتيزول والادرينالين وغيرها، ولا سيما بعد التعرض للصدمات او للمشاهد المقلقة والمحزنة التي تترك آثاراً عصبيةً ونفسيةً على حد سواء. كما أنّ اللبنانيين، تعرضوا لفترة مزمنة من الضغط النفسي والأزمات بالاضافة الى ذكريات الحرب اللبنانية بالنسبة للذين واكبوها والتي ما زالت تعيش في اللاوعي لديهم ويتناقلونها من جيل الى آخر. ناهيك، عن السنوات الأربع الأخيرة التي خلقت حالة عامة من التوتر والقلق، فنتج عنها اضطرابات في النوم عند البعض بحسب تركيبية شخصياتهم وظروفهم».
تراجع القدرات الذهنية
قبل التوجه الى المعالج النفسي، على المريض أن يدرك اسباب اضطرابات النوم لديه؛ أحياناً تكون مرتبطة بنمط حياته، أو بادمانه على الانترنت مثلاً، أو لاسباب عضوية اخرى. أمّا اذا كانت الامور واضحة على أنها حالة قلقية أو اكتئابية، فمن الضروري حينها زيارة المعالج النفسي منعاً لتفاقم حالته مسببةً مشاكل اخرى مثل الادمان على الادوية المهدئة. وتشير د. سعادة الى أنّ «إهمال الحالة وتركها بلا علاج لهما تأثير سلبي على مستويات عدّة منها القدرات الفكرية والذهنية والتحليلية والصحة الجسدية، وعلى نشاط المريض وعمله وحبه للحياة وأهدافه ورغبته في الاستيقاظ صباحاً، كما تنعكس سلباً على محيطه مثل عائلته والشريك. كل هذه التداعيات تغرقه اكثر فأكثر في الاضطراب، فاذا لم ينم الانسان وقتاً كافياً يعاني عندها من تشوهات في طريقة تفكيره ونظرته الى الامور».
أمّا بالنسبة للعلاجات النفسية، فهي ايضاً تختلف بحسب كل حالة، وتشرح «بعض الحالات تحتاج الى تحليل نفسي وعلاج سلوكي ومعرفي، والبعض الآخر تفيدهم تقنية EMDR (Eye Movement Desensitization and Reprocessing أو ابطال الحساسية وإعادة المعالجة عبر حركة العينين)، كما يمكن الاستعانة بالعلاج الدوائي ايضاً».
نـــــصائـــــح مـــــفـــــيـــــدة
وتوجهت الى الذين يرفضون زيارة المعالج النفسي قائلةً: «لا تخافوا، فالحالة التي تعانون منها اسوأ من اي عوارض جانبية للعلاج. تقدم الطب وتطور، والعلاجات الفعالة لحالتكم موجودة وضرورية كي لا تتاثر صحتكم النفسية، الذهنية والجسدية»، ناصحةً من لم يقرر بعد الخضوع للعلاج وهو يعاني من الأرق، بـ»تحفيز آلياته الدفاعية للمحافظة على الصحة النفسية. وتختلف هذه الآليات من شخص الى الآخر، فيلجأ البعض مثلاً الى آلية تعرف بالـ»إزاحة» أو التوجه نحو أمور أخرى بدل الدوران في دوامة المشكلة. كذلك، أنصح بالمحافظة على الروتين اليومي مثل احترام وقت النوم، التخلص من حالة النكران ومواجهة الحالة مهما كانت، التخفيف من التعرض للأمور التي تزيد من حالات القلق مثل مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينتشر الكثير من المعلومات المغلوطة التي تؤثر على نوعية النوم، والاستعاضة عنها بالعودة الى مراجع موثوقة لمعرفة ماذا يجري».