جنى جبّور

حيّنا والكورونا: بلاط - جبيل

8 نيسان 2020

02 : 20

بلاط

هنا "ووهان 2"... هكذا نظر إلينا البعض، بعد أن سجلت جبيل أعلى نسبة إصابات، مع بداية انتشار الكورونا. ولكن جبيل تبقى جبيل، لا تقارن مع أي مدينة أخرى... مدينة الحرف والشمس والرمال الذهبية، ستبقى خالدة وبصحة جيدّة، وتنفض عنها ثقل الوباء، وستنبعث فيها السعادة مجدداً والحياة الأبدية تماماً مستعيدة أسطورة "أدونيس". نحن كما غيرنا ذقنا "مرارة" كأس الكورونا... ولكن وعي أهلي في المنطقة ساهم في تراجع عدد الاصابات (وفقاً لجدول احصاء مصابي الكورونا في لبنان)، فهم ملتزمون بالحجر المنزلي، مع تسجيل القليل من الخروقات.

هنا في "معتقلي" في بلاط - جبيل، الذي وضعني فيه الكورونا قسراً، حصلت تغييرات كثيرة. حيّي، هادئ مذ كان ولكنه اصبح اليوم أكثر هدوءاً... فحركة السيارات فيه شبه معدومة. في بنايتي، مشكلة في مواقف السيارات، ولطالما تذمرنا من بعض جيراننا المزعجين، الذين يركنون سياراتهم وراء سيارتنا، فنحتاج لإذن منهم للخروج.... ولطالما فكرنا بحل لهذه المشكلة، من دون أي نتيجة، وها هو " الكورونا" يوفره لنا "على طبق من فضة". لا مشكلة بعد اليوم، بمكان ركن السيارة، فقلة منّا تخرج.

وكما تعلمون، فإن ختيار عنايا، القديس شربل، جارنا. وأبناء جبيل لا يوفرون فرصة إلّا ويقومون بزيارته. إلّا أنّ هذه العادة تغيرت في زمن الكورونا، وقد سمعت جاري قبل ايام، يتذمر من رفض عنايا استقباله... فهي ملتزمة بقرار التعبئة العامة. "بائع السمك" الذي استيقظُ يومياً على صوته وهو ينادي "عقيص، ملّيفا، بزري..." لم يعد يقصدنا. فيما مواكب سيارة لكنيسة الرعية تعبر من يوم إلى يوم فنسمع التراتيل ونشاهد من نوافذنا تطواف القربان المقدس، فنستقبل القربان من بعيد خاشعين مصلين... في هذه اللحظة بالذات، نشعر أنّ "قيامة" العالم من هذا الوباء... آتية لا محالة.

من شرفة "معتقلي"، ما زال المشهد نفسه، ولو بتغيرات قليلة في التفاصيل. أمامي بحر جبيل الصافي الزرقة... بعده، تبدو الحركة على اوتوستراد جبيل - عمشيت، خفيفة نهاراً وشبه معدومة ليلاً. الى يميني، جبل أخضر، أو قلعة "سعيد" أحد جيران الحي... هو في مثل هذا الوقت من السنة، يتسلق الجبل "لتسليق" كل ما توافر له من حشائش. رأيت سعيداً الاسبوع الماضي للمرة الاولى، يضع كمامة وقفازات، ويحاول تسلق الجبل لدقائق معدودة، قبل أن يغادر مسرعاً عند سماع صوت البلدية عبر مكبرات الصوت تطلب من الاهالي ملازمة منازلهم. لم أره منذ ذاك اليوم.

لحسن الحظ، أنّ الطقس ما زال متقلباً، فنحن أبناء مدينة الحرف، لا يمكن أن نتخلى عن "مشوار" البحر. أقف مع شقيقتيّ على شرفة بيتنا، المتنفس الوحيد المتاح في الهواء الطلق، ضمن خطة والدنا للحجر تحت "البند السابع" (ميثاق الأمم المتحدة- تدابير متخذة في حالات تهديد السلم والإخلال به). ننظر الى البحر أمامنا... ونتساءل اذا كنّا سنحرم من "الموسم" هذه السنة؟ واذا طالت خطة التعبئة هل "نتشمس" على شرفة منزلنا أو على سطحه؟ جيراننا مثلنا يتساءلون: ماذا نفعل في الصيف نحن أولاد البحر؟! فهل سيلتزم أهالي جبيل الحجر المنزلي في الأيام المشمسة القليلة المقبلة؟ أو أنّهم سيخرقون حجرهم المنزلي بحثاً عن الفيتامين"D"... أتساءل، ليس من باب الافتراض، فيوم الأربعاء الماضي خروقات قرار التعبئة العامة كانت واضحة على رمال بحر جبيل، التي استقبلت عدداً من الزوار؛ منهم من سبح ومنهم من مارس رياضة "الجري" ومنهم من استسلم للـ"برونزاج" وسمّر بشرته. وإلى أهلي في جبيل كلمة: في حال استمر هذا الوباء حتّى الصيف، فاعلموا اننا لسنا في عطلة، والبحر باقٍ لكم... فالزموا منازلكم لأن "صحتكم بالدني"!


MISS 3