سيلفانا أبي رميا

قبّعة فينيقية تُصارع للبقاء في السجلّات اللبنانية

يوسف عقيقي: تبقى اللبّادة رسالتي الوطنية

28 حزيران 2023

02 : 06

تشهد بلدة حراجل الكسروانية، ولادة آخر اللبّادات اليدويّة العريقة التي يعود تاريخها إلى عهد الفينيقيين. وفي نفق الإندثار المظلم، دخلت هذه القبعة مسارها الأخير وانتقلت من كونها أداة لباس وحماية من الطقس البارد، إلى قطعة فنية أثريّة يزيّن بها الهواة منازلهم وجدرانها. إلا أنّ، يوسف كرم عقيقي، ابن البلدة الستيني، ما زال متمسّكاً بهذه الحرفة ويحاول جاهداً إنتاجها وتعريف الأجيال عليها، مخصِّصاً لها ورشة إحترافية كاملة في الطابق السفلي من منزله، وكان لـ"نداء الوطن" حديث خاص معه ورحلة في خبايا حكاية اللبّادة التراثيّة.



عرّفنا عن اللبّادة وتاريخها؟

هي قبعة مصنوعة يدويّاً من صوف الأغنام تقي من البرد والأمطار. ورثناها عن الفينيقيين، لكنها في عهدهم كانت أطول ومستطيلة الشكل، في حين أنها اتخذت الشكل المنفوخ وشبه الدائري في اللباس اللبناني. إنتشرت هذه الصناعة بكثرة في المناطق الجبلية الباردة مشكّلةً جزءاً لا يتجزّأ من المشهد اليومي، حيث كان أجدادنا يصنعون لبّاداتهم بأنفسهم، أمّا المحترفون والتجار فكانوا يستخدمون صوف الأغنام لإنتاجها وبيعها.

كيف ومتى تعلّمت صنعها؟

كنت منتسباً إلى فرقة دبكة في الضيعة خلال ثمانينات القرن المنصرم، وبمناسبة المهرجان الفولكلوري السنوي في حراجل، طلبت من جدّي أن يعلّمني كيفية صنع اللبّادة. ونجحت في صنع أول لبادة ارتديتها على المسرح، وكرّت السبحة، وها أنا اليوم أطوي صفحتي الثلاثين في هذه الحرفة. خلال مشواري الحرفي هذا، شاركت في مهرجانات ومعارض محليّة؛ وكان أول معرض لي خارج لبنان في دبي العام 2005.



يغسل الصوف ويجفّفه




...ويعجنه بالماء والصابون البلدي



ما المواد التي تستخدمها؟

تحتاج كل لبّادة إلى نحو 400 غرام من صوف الأغنام المنفوش (يُفضَّل اختيار صوف الخروف الذي يُجَزّ لأول مرة)، وتستغرق صناعتها نحو ساعة ونصف الساعة أو أكثر بقليل. أمّا لونها فيتراوح بين الأبيض المكسور والرمادي والأسود وتدرّجات البنيّ.

أخبرنا عن مراحل التصنيع؟

أشتري الصوف من الرعاة ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد نحو دولارين، ثم أقوم بغسله جيداً وأضعه على السطح ليجفّ تحت أشعة الشمس وأقلّبه لمدة أسبوع كامل.

وفي مشغلي الخاص، أمرّر الصوف المجفف على آلة الندف التي تفصل بعضه عن البعض الآخر وتجعله ينفش ويكتسب حجماً، ثم أضعه على الطاولة وأبدأ بصنع العجينة منه مع خلطه بالماء معتدل الحرارة والصابون البلدي المصنوع من زيت الزيتون. وأنحت اللبّادة بيديّ بالشكل الذي أريده وأتركها لتجفّ. يلزمني يوم كامل لصنع حوالى ثلاث لبّادات بطريقة متقنة ومميزة.









كم سعرها وما الذي يميّزها عن باقي القبّعات؟

كنا نبيع اللبّادة بما لا يزيد عن 30 ألف ليرة لبنانية، أما سعرها اليوم فحوالى 25 دولاراً أميركياً.

هي تُدفئ الرأس خلال الطقس البارد، إلا أنها لا تضاهي عظمة الطربوش الذي كان يفضّله القروي اللبناني على اللبّادة في المناسبات وأيام الآحاد.



يعطي اللبّادة قالبها


هل تعتقد أن هذه الصناعة إلى زوال؟

تراجع للأسف الطلب عليها كثيراً، وأحاول منذ ذلك الحين حمايتها من الإندثار وإبقاءها على خريطة التراث. فقد قمت بابتكار "موديلات" عصرية وأشكال تواكب متطلّبات السوق الحديث، فصنعت من هذه العجينة قبعات ونعالاً ومسابح ومحافظ. ومع غياب أي التفاتة أو دعم من الوزارات والجهات المختصة، أحرص على نقل شغفي هذا وأسراري إلى أولاد شقيقي كون ابنتي لا تزال صغيرة جداً.







من هم زبائنك؟

أغلبهم من السياح أو المغتربين الذين تذكّرهم هذه القطعة بطفولتهم. ويشتريها معظمهم لعرضها كقطعة تراثية أثرية مميزة في منزلهم.

ما حلمك اليوم؟


حلمي الأول والأخير أن تحافظ اللبّادة على مكانتها وألا تواجه مصير النسيان. أطالب المعنيين من وزارات وجمعيات بالتحرّك لدعم هذه الحرفة ونشرها على نطاق واسع وإدخالها في مجمل المهرجانات والإحتفالات وتخصيص معارض محلية ودولية لها.


MISS 3