نسيب حطيط

الجامعة اللبنانية... و"تحدّيات" تجربة "التعليم عن بعد"!

9 نيسان 2020

03 : 10

إدارة الجامعة وأساتذتها وطلابها يخوضون مغامرة تحدٍّ (أ ف ب)

تخوض الجامعة اللبنانية مغامرة "التعليم عن بعد" تحت وطأة الحرب العالمية التي يشنها فيروس كورونا "الذي حاصر العالم ومنع التجول إكراهاً "وطوعاً" وفرض تعطيل او عرقلة كل المنظومات العالمية على كل المستويات التعليمية والصحية والادارية واستدرج الناس بل كل العالم الى ما يعرف بالمنظومة الإفتراضية العالمية او الحكومات الإلكترونية او الجامعات الإلكترونية...والعلاقات الاجتماعية الإلكترونية في اول تجربة عالمية ووطنية وتعيش الجامعة الوطنية مغامرة تحدي الواقع وتنفيذ واجبها الوطني تجاه اكثر من سبعين الفأ" من الطلاب وآلاف الأساتذة والإداريين ومعهم عشرات آلاف العائلات.

لقد وجدت الجامعة نفسها شأن كل المؤسسات التربوية في العالم امام مشكلة كبيرة غير متوقعة ولم تكن مدرجة ضمن خطط الطوارئ الباردة او الحروب الساخنة التي كانت تفرض تداعياتها في اطار زمني موقت او جغرافيا محددة ولم تمر الجامعة وأهلها في تجربة منظومة "الفرد" المعزول او التجمع لأكثر من اثنين او المحاضرين ذوي الكمامة او الطلاب "المكمومين" أو اعتماد لغة الصمت اللساني وغياب المخاطبة المباشرة بين الأستاذ والطلاب، ليتحوّل الصوت الى "كلمات وصور على شاشات تقع تحت رحمة تباطؤ الانترنت او انقطاعه وعجز الشبكة او انقطاع الكهرباء (التقنين المتفرق وفق المناطق) او تحكم صاحب المولد الذي صار شريكاً في "طاقة المعرفة" او ان يتناوب افراد الأسرة على جهاز الكمبيوتر او الجهازين لمتابعة الدروس في المدارس والجامعات ولأول مرة نرى التزاحم على أجهزة الهاتف "الذكي" الذي ربما من المرات القليلة التي استثمرنا ذكاءه او صرنا "أذكياء" لاستعماله ضمن منظومة "الذكاء الإصطناعي" تحصيلاً للمعرفة والتعليم بدل ان يكون مسخّراً طوال الوقت لملء الفراغ بالكتابة العبثية او السطحية ولأول مرة يصبح الكمبيوتر او الهاتف قاعة دراسية او قاعة محاضرات بدل ان يكون شاشة لهو وترف أو تجسس!

ان إدارة الجامعة اللبنانية وأساتذتها وطلابها يخوضون مغامرة تحدٍ لإستنقاذ ما تبقى من العام الدراسي في ظروف استثنائية صعبة على المستوى التقني واللوجستي والمعرفي بالإضافة لتنوّع الإختصاصات والمواد العملية والنظرية او المدمجة والتي لا يمكن استيعابها ضمن برنامج معلوماتي واحد بل تحتاج الى برامج متعددة، بالإضافة الى عدم إمكانية او استحالة تعليم بعض المواد العملية في الكليات التطبيقية كالهندسة والعمارة والفنون والطب وغيرها، مما يستدعي وجوب تجاوز او اعفاء الطلاب من بعض المتطلبات الأكاديمية ضمن المشاريع المطلوبة، كالمجسمات والأشكال المطلوب معاينتها عينياً او الإستعاضة عنها بتقديم مجسمات في برامج الكمبيوتر .

إن مؤشرات هذه التجربة في اسبوعها الأول قد حملت الكثير من الإيجابيات وواجهتها بعض الصعوبات التي يمكن تجاوز بعضها مرحلياً والعمل على معالجتها في المستقبل لمواجهة ظروف مماثلة او اقل منها ومن الإيجابيات:

- إرادة التحدي لعدم تعطيل دورة الحياة في اطارها التعليمي ومقاومة الفيروس ومنعه من الحاق الشلل والتعطيل بالمؤسسات العلمية التي يمكن ان تساهم في حصاره وتوفير اللقاح المضاد.

- استدراج الأساتذة والطلاب لإعادة "إنعاش" خبرتهم التقنية والمعلوماتية وتطويرها في اول تجربة علمية وتنفيذية على صعيد الجامعة والتي يمكن البناء عليها مستقبلاً في مسألة تطوير البرامج او على صعيد الكليات النظرية او على الأقل في المواد الإختيارية.

- استنقاذ العام الدراسي بحدوده الدنيا، خاصة بعد انهاء الفصل الأول بنجاح مما يسمح بمنح الطلاب فرصة لعدم خسارة عام دراسي، خاصة لسنوات التخرج.

- ان هذه التجربة قد ساهمت بتنفيذ الإلتزام بالحجر المنزلي كتدبير فعّال ضد الفيروس وازاحت عن الجميع عبء الفترة الزمنية المفروضة ضمن التعبئة العامة وتقليل أوقات الفراغ التي يعاني منها الجميع وتخفيف الضغط النفسي.

- ساهمت التجربة بعدم تقاضي الأساتذة والإداريين لرواتبهم من دون عمل، بل المبادرة لمتابعة واجباتهم الأكاديمية انطلاقاً من واجبهم الوطني والأخلاقي ومساهمتهم في التكافل الاجتماعي الوطني في الظروف الإستثنائية الصعبة.

ان هذه التجربة تواجه بعض العراقيل التي تستدعي معالجتها على الصعيد التقني والمعرفي خاصة لجهة عدم الإسقاط الحرفي والسلوكي لقواعد وأسس التعليم المباشر على التعليم عن بعد (الحضور والغياب وبعض الأمور الأخرى) ولا بد من دراستها وتحليلها والإستفادة منها لتطوير البرامج والتقنيات داخل الجامعة لمواكبة التطور التقني والعلمي، لجهة افتتاح برامج تعليمية متخصصة بفئات اجتماعية وعمرية لا تستطيع المشاركة اليومية في الجامعة، خاصة لذوي الإعاقة الجسدية لفسح المجال أمامهم، للتعلّم عن بعد، بالإضافة الى افتتاح برامج وتخصصات متنوعة للمتقاعدين او الأمهات غير العاملات في الريف خصوصاً لمتابعة الدراسة في بعض الإختصاصات النظرية لتعميم المعرفة وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة على الصعيد التعليمي كجزء أساس من حقوق الإنسان والمواطنة لكل اللبنانيين .

التحية لأهل الجامعة والدعاء بالسلامة للنجاة من هذا الوباء لتعود الحياة الى مسارها الطبيعي النابض بالأمل ان شاء الله.

*رئيس قسم الهندسة المعمارية في كلية الفنون والعمارة –الفرع الأول- الجامعة اللبنانية.

رئيس الفرقة البحثية في المعهد العالي للدكتوراة.


MISS 3