الجراثيم المعوية قد تحميك من أمراض القلب وداء النقرس

02 : 00

في السنوات القليلة الماضية، بدأ الباحثون يكتشفون آليات متزايدة تجعل البيئة الميكروبية في الأمعاء تؤثر على الوضع الصحي العام.

ربطت أبحاث سابقة بين البيئة الميكروبية غير الصحية ومجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك النوع الثاني من السكري، والبدانة، والربو، وسرطان القولون والمستقيم، واضطرابات التنكس العصبي مثل الباركنسون.

رصد باحثون من جامعة "ويسكونسن ماديسون" الآن جراثيم في البيئة الميكروبية المعوية عبر نماذج من الفئران القادرة على تفكيك حمض اليوريك المُسبّب للالتهاب، ما يسهم في حماية الجسم من أمراض القلب وداء النقرس. نُشرت نتائج الدراسة حديثاً في مجلة "سيل هوست أند مايكروب".

لإجراء هذه الدراسة، قام فيديريكو راي، أستاذ مساعد في علم الجراثيم في جامعة "ويسكونسن ماديسون" والمشرف الرئيسي على هذا البحث، بزراعة براز الفئران. نقل الباحثون الميكروبات المعوية من فئران ناضجة إلى فئران وُلِدت وهي تفتقر إلى الميكروبات في مسالكها الهضمية.

بعد تحليل النتائج، اكتشف العلماء أن الفئران التي تلقّت الميكروبات من متبرعين لديهم شرايين مليئة بالصفائح ومستويات مرتفعة من حمض اليوريك طوّرت هذه الحالات نفسها. كذلك، برزت مواصفات مشابهة لدى الفئران التي تلقّت ميكروبات من متبرعين يحملون أوعية دموية أكثر وضوحاً وكمية أقل من حمض اليوريك.

بعد هذه المرحلة، تمكّن الباحثون من تحديد الميكروبات المرتبطة بالنتائج الصحية لدى الفئران. نجح العلماء في رصد مجموعة جينات موجودة في أنواع مختلفة من الجراثيم الضرورية لتفكيك البيورينات وحمض اليوريك في الأمعاء.

عند وجود كمية مفرطة من حمض اليوريك في مجرى الدم، قد لا تخرج كامل الكمية من الجسم وسرعان ما يتراكم جزء منها. تُسمّى هذه الحالة "فرط حمض يوريك الدم".

يوضح راي: "نعرف منذ وقتٍ طويل أن أي كمية مفرطة من حمض اليوريك قد تُسبب داء النقرس، وتربط دراسات حديثة حمض اليوريك بحالات أخرى مثل المشاكل الأيضية وأمراض القلب والأوعية الدموية. حمض اليوريك عنصر التهابي قادر على تنشيط العمليات التي تزيد أمراض القلب سوءاً".

عند الإصابة بفرط حمض يوريك الدم، تتشكل بلورات من حمض اليوريك التي تُسبب التهابات في الجسم. قد تدخل هذه البلورات إلى الكلى وتنتج الحصى فيها، أو يمكن أن تصل إلى مفاصل الجسم وتُسبب نوعاً من التهاب المفاصل الالتهابي المعروف باسم النقرس. كذلك، برز رابط بين مستويات حمض اليوريك وزيادة خطر التعرض لأمراض قلبية، مثل ارتفاع ضغط الدم والجلطات الدماغية.

هذه ليست المرة الأولى التي تربط فيها الأبحاث بين البيئة الميكروبية في الأمعاء وأمراض القلب. تذكر أبحاث سابقة أن سلامة هذه البيئة تؤثر على نشوء أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل عام. رصدت دراسات أخرى أيضاً رابطاً بين حالات محددة، مثل مرض القلب التاجي، والجلطات الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين.

يضيف راي: "عند مراجعة هذه الدراسات، وجدنا روابط بين الجراثيم المعوية ومستويات حمض اليوريك، وبين هذا العنصر ومؤشرات على تطور الأمراض لدى الفئران والبشر في آن. رصد آخرون روابط بين حمض اليوريك وأمراض القلب والأوعية الدموية أيضاً. لكنّ النتيجة غير المتوقعة تتعلق بارتباط مختلف مستويات حمض اليوريك بجراثيم الأمعاء. من خلال استعمال حيوانات نشأت في بيئة خاضعة لمراقبة مشددة، أثبتنا أن الميكروبات المعوية تؤثر على نسبة حمض اليوريك في الجسم المضيف. إنه استنتاج جديد وقد شجّعنا على محاولة تحديد الجراثيم والجينات الجرثومية المسؤولة عن هذا الأثر. أظن أن فكرة استعمال الجراثيم المعوية أو المقاربات الغذائية التي تدعم جراثيم معينة وتسهم في تخفيف كمية حمض اليوريك لمعالجة داء النقرس أو الوقاية منه تستحق الاستكشاف. في الوقت نفسه، تُعتبر المستويات المناسبة من حمض اليوريك وعناصر أخرى ذات صلة ضرورية للحفاظ على صحة الجسم المضيف، لذا تتعلق المسألة الأساسية بطريقة تفاعل الجراثيم المعوية مع الحمية الغذائية واحتمال التلاعب بها للحفاظ على مستويات مفيدة من تلك العناصر، ما يعني ألا تكون منخفضة ولا مرتفعة أكثر من اللزوم. على صعيد آخر، لا يزال الرابط مع أمراض القلب والأوعية الدموية أقل وضوحاً حتى الآن، لكننا نهتم باستكشافه في المراحل المقبلة".

في ما يخص الخطوات اللاحقة من هذا البحث، يقول راي: "ما زلنا لا نفهم بالكامل طريقة تأثير أيض الجراثيم المعوية على حمض اليوريك. سنعطي الأولوية لهذا الجانب في المرحلة القادمة. نحن نهتم أيضاً باختيار أثر التعديل الجرثومي لحمض اليوريك على أمراض القلب والأوعية الدموية في النماذج التي تسبق التجارب العيادية".

تعليقاً على نتائج الدراسة الجديدة، يقول الدكتور ريغفيد تادوالكار، طبيب قلب في مركز "بروفيدانس سانت جونز" الصحي في سانتا مونيكا، كاليفورنيا: "إنها دراسة مثيرة للاهتمام لأنها تمنح الأطباء معلومات إضافية عن الرابط بين صحة الأمعاء وصحة القلب والأوعية الدموية. لقد لاحظنا حتى الآن أن ارتفاع مستويات حمض اليوريك يرتبط بنشوء صفائح في الشرايين، ما يعني تراكم تلك الرواسب الدهنية. ما نعرفه حتى اليوم عن الآلية الكامنة وراء هذا الرابط هو قدرة حمض اليوريك على تعزيز حالات الإجهاد التأكسدي، واختلال الخلايا البطانية، وزيادة الالتهابات، ويُعتبر كل واحد من هذه العوامل جزءاً من العمليات الأساسية لنشوء الصفائح في الشرايين. أكثر ما يثير الاهتمام في هذه الدراسة هو رصد قدرة جراثيم معينة على تفكيك حمض اليوريك وظهور رابط آخر بين البيئة الميكروبية في الأمعاء وأيض حمض اليوريك، ما يعني أنه يؤثر على تصلب الشرايين. قد نستفيد إذاً من فهم هذه العملية لابتكار استراتيجيات جديدة أو مستحدثة لمعالجة تصلب الشرايين أو الوقاية منه. في ما يخص الحفاظ على بيئة ميكروبية سليمة في الأمعاء، تقضي أفضل نصيحة غذائية باختيار حمية متنوعة تشمل عدداً من الأغذية النباتية، تزامناً مع تجنب المنتجات المُصنّعة والغنية بالسكر. يمكن إيجاد المغذيات الأساسية التي تعزز نمو الجراثيم المعوية المفيدة في الفاكهة والخضار، والحبوب الكاملة، والبقوليات. إنها المصادر التي تمنحنا مجموعة غنية من المغذيات وتقوي الأنواع الميكروبية في الأمعاء. في الوقت نفسه، يجب أن نتجنب استعمال المضادات الحيوية بلا مبرر، فقد تؤدي هذه الأدوية إلى اختلال توازن البيئة الميكروبية في الأمعاء. أخيراً، سيكون التحكم بالضغط النفسي ضرورياً لتحسين أسلوب الحياة عموماً. تكشف الأدلة أن الضغط النفسي قد يعطّل المحور القائم بين الأمعاء والدماغ. ستكون النشاطات التي تُسهّل السيطرة على الضغط النفسي مفيدة إذاً، أبرزها التمارين الجسدية، واليوغا، والتأمل، وأي نشاط آخر من هذا النوع".


MISS 3