رامي الرّيس

الإفشال المتعمّد للإصلاحات: ماذا بعد؟

5 تموز 2023

02 : 00

ثمّة توصيفات تقليديّة باتت تُطلق على الواقع اللبناني المرير ومن أشهرها أن «لبنان بلد عصيٌ على الإصلاح»، وهذا الشعار هو خلاصة التكرار الدراماتيكي لفشل كل الجهود الاصلاحيّة المتتالية التي شهدتها البلاد والتي أجهضتها الانقسامات العميقة بين اللبنانيين، ويبرز في هذا المجال البرنامج المرحلي للحركة الوطنيّة اللبنانيّة التي أعلنت برنامجها الشهير في نيسان 1975 في محاولة لتلافي انفجار الحرب من دون طائل.

وإذا كانت بنود ذاك البرنامج الإصلاحي الشامل لا تزال غير مطبّقة اليوم ما يدّل على عقم النظام السياسي ومدى تحكم الطائفيّة والمذهبيّة فيه، فإنّ التاريخ الحديث يقدّم أمثلة أخرى لا تقل وضوحاً عن تلك التجربة اليتيمة، ومنها مؤتمرات باريس 1و2و3 ومؤتمر «سيدر» التي اشترطت على لبنان اتخاذ سلسلة خطوات إصلاحيّة ضروريّة لتوفير الدعم له ولكن أيضاً من دون طائل.

ولا تزال المشكلة ذاتها تطرح نفسها اليوم، إذ بعد مرور أكثر من سنة على توقيع إتفاقيّة على مستوى الموظفين بالأحرف الأولى بين لبنان وصندوق النقد الدولي، لم تتقدّم الخطوات الإصلاحيّة أي خطوة إلى الأمام، وها هو صندوق النقد يجدد تحذيره من خطورة الأزمة في لبنان ومآلاتها السلبيّة على مختلف المستويات.

صحيحٌ أنّ ثمّة ملاحظات عديدة على السياسات الاقتصاديّة السابقة التي أدّت إلى الانهيار الحالي نتيجة تركيزها على الجوانب الريعيّة للاقتصاد اللبناني دون تقديم الدعم المطلوب والكافي للقطاعات الانتاجيّة؛ ولكن هذا لا يلغي أنّ الإفشال المتعمد والمتتالي للسياسات الإصلاحيّة دمّر سمعة لبنان في الخارج تماماً مثلما حصل في ذاك القرار الأرعن الذي اتخذته حكومة الرئيس حسّان دياب بالامتناع عن تسديد الدين من دون حتى التفاوض مع الدائنين أو طلب إعادة جدولة الديون.

الكلام اليوم عن فصل الصيف الذي سيكون مزدحماً بالمغتربين اللبنانيين والسيّاح يبعث على القليل من الأمل والشعور بأن لبنان، رغم فقدانه الكثير من ميزاته التفاضليّة لا يزال قادراً على الاستقطاب. إنما إذا كان البعض يعتبر أنّ موسم الاصطياف، مع كل ما سينتج عنه من فوائد لناحية تحريك الدورة الاقتصاديّة، سيكون كفيلاً بإنقاذ البلاد من كبوتها، فذلك تحليل خاطئ.

من المفيد جداً أن يشهد لبنان حركة اصطياف واشتاء ناشطة خصوصاً لناحية إفادة قطاع المطاعم والفنادق وبيوت الضيافة التي شهدت إنتشاراً واسعاً في عدد من المناطق اللبنانيّة في السنوات الأخيرة وقطاع تأجير السيّارات وسواها من القطاعات الملحقة التي تنمو على ضفاف القطاع السياحي؛ ولكن هذا لن يكون كافياً للنهوض بالبلاد من حالة الانهيار والترهل التي تشهدها على مختلف المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.

لقد آن الأوان للبدء بنقاش اقتصادي حقيقي في البلاد لرسم رؤية اقتصاديّة جديدة يمكن من خلالها النفاذ نحو بناء موقع إقليمي جديد للبنان إنطلاقاً من الاستفادة الكبرى التي يمكنه تحقيقها من موارده البشريّة الغنيّة التي صارت تنتشر في أصقاع الأرض بحثاً عن فرص عمل جديّة وعن لقمة العيش.

لقد أثبتت السياسة الاقتصاديّة القديمة فشلها لا سيّما أنها كرّست معادلة ضعف الدولة. وإذا كان مطلوباً أن تستعيد الدولة زمام القرار في الحرب والسلم والإمرة العسكريّة واحتكار وظيفة الدفاع عن الأراضي والذود عن الحدود البحريّة والبريّة؛ فإنّه مطلوب بالقدر ذاته أن تستعيد وظيفتها الاجتماعيّة ودورها الناظم للاقتصاد الوطني بعيداً عن السياسات النيوليبراليّة المتوحشة والمتفلتة من كل قيد.

ليس مطروحاً، بطبيعة الحال، الذهاب نحو الاقتصاد الموجه الذي كان بمثابة تجربة فاشلة، ولكن المطلوب من الدولة أن تكون العين الساهرة على مواطنيها في الشيخوخة والطبابة والتعليم.

إذا كان لبنان عصياً على الإصلاح، فإنّه أيضاً عصي على الموت!


MISS 3